الثورة مستمرة بأيادٍ تطرح الفكر والأمل والحق في دروبنا بإبداع خالص، ومواهب تُدرك قيمة الفن ودوره في استعادة إرادة منفية، وإنسانية مُهدرة، ومنع المتكالبين على السلطة من تزييف الحقائق وتزيين القُبح، ثمة طريق يقودك إلى هذا الشعور، يبدو جليًا أثناء حضورك العرض المسرحي "1980 واحنا طالعين" لفريق "البروفة"، على مسرح "قصر ثقافة الطفل" بجاردن سيتي. 15 حالة- اسكتش- منفصلة متصلة، تبدأ بصورة جماعية لمجموعة من الشباب، من أبناء الثمانينات، تسرد رحلة جيلنا في البحث عن مكتسبات الثورة في طريق ضبابي مكتظ بمشاكل البطالة، والعنوسة، والتناحر على السلطة، والفساد السياسي، وأمور آخرى. فنون متنوعة من تمثيل وغناء ورقص لأكثر من ساعة، يجعلك مشدوهًا تجاه 12 ممثل ينقلوك بأداء بليغ، إلى حالة تتأرجح بك بين حزن على واقع تعس نعيش فيه، وضحك نابع من السخرية عليه, تنتهي بك إلى الاطمئنان على الحلم والثورة والوطن. العرض يطرح بين طياته مشاكل الاعتماد بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في العلاقات بين البشر، في مشهد يعرض اثنين أشقاء يتواصلون من خلال "شات" الانترنت، ونكتشف في النهاية أنهم في منزل واحد، بعد رؤيتهما نائمان بجوار بعضهما، وفي مشهد آخر ينعي صناع العمل جميع ضحايا الوطن في كل الأحداث، دون التفرقة في الاختيار، من ضمنهم قتلى رابعة العدوية وتفجير مديرية أمن الدقهلية، وفي مشهد آخر اطلالة فكاهية على قانون التظاهر. أسئلة ساخرة لاذعة ناقمة أحيانًا يطلقها أبطال العرض، خلال فواصل بين الفصول الثلاثة للمسرحية، عن الأحداث الجارية السياسية والاجتماعية، منها "ليه كنت بقف في نفس المكان بقول اللي أنا عايزه، وليه دلوقتي خايف"، و"ليه كل ما ننزل نقول يسقط كل من خان فلول عسكر إخوان، محدس يسقط غيرنا احنا"، و"يا ترى الطفل الصغير اللي بيسمعوه تسلم الأيادي في المدرسة وأبوه مات في رابعة احساسه عامل ايه"، و"هو لو السيسي كان فض اعتصامات 30 يونيو بالقوة.. الإخوان كان قالوا علينا شهداء؟!" عُرضت مسرحية "1980 واحنا طالعين" للمرة الأولى في يناير 2012 على مسرح الجمهورية، ثم أكثر من مسرح أبرزها "الهوسابير" و"الجيزويت" و"مترو بول" ومؤخرًا على مسرح "قصر ثقافة الطفل" بجاردن سيتي، ولاقى صدى واسع وتوقف عرضه لظروف أمنية بسبب أعياد الكريسماس، كما حصل على جائز أفضل عرض ونص، ومخرج صاعد، في ختام المهرجان القومي للمسرح المصري. "نزلنا الميدان وعملنا ثورة، لكن الأزمات لسه زي ما هي مفيش حلول" قالها أحمد الليثي، صحفي وأحد المشاركين في العرض، موضحًا أن الدافع وراء عرض المسرحية على مدار عامين متتالين، يكمن في ما تعانيه الثورة من محاولات للقضاء عليها، واستمرار الأزمات والأحداث المؤسفة المتلاحقة، ومحاولة لطرح الأمل كبديل مهم في ظل الظروف الصعبة التي نعيش فيها، مؤكدًا أن الثورة ستنتصر في النهاية. وأوضح الليثي، أن العرض يعتمد على الجهود الذاتية للقائمين على العمل "بنستلف من بعض أحيانًا عشأن نأجر مكان البروفة"، وديكور بسيط لا يحتاج لتكلفة عالية "قطعتين خشبيتين و4 كراسي"، مشيرًا إلى أن أبطال العرض، زملاء قدامى في فريق التمثيل بكلية تجارة بجامعة عين شمس، بينهم تفاهم تام يظهر بشكل واضح خلال العرض، الذي يعتمد في بعض مشاهده على الارتجال. لفريق "البروفة" الحق في عرض المسرحية لمدة أسبوعين، في أي مسرح يقع اختيارهم عليه، بعد فوزهم في المهرجان القومي للمسرح المصري بعدة جوائز، لكن مسارح الدولة تمتنع عن تنفيذ حقهم، بحجة انشغالهم بعرض مسرحيات آخرى، ويأتي الرد على صناع العمل "هنشوف ونبلغكم". توقف مُتكرر يعاني منه صناع "1980 واحنا طالعين" بسبب الاشتباكات المستمرة في الشارع المصري كما يؤكد الليثي، وأحيانًا بسبب صعوبة تفرغ أبطال العمل في توقيت واحد، لكن في حالة وجود فرصة سانحة للعرض، يتم استبدال الأبطال المشغولين بآخرين. ونوه الليثي، إلى أن التوقف يُفيد العمل لأنهم ينخرطون في تطوير الأفكار، وكتابة مشاهد جديدة، مستشهدًا بمشهد الجنازة، الذي تغير 3 مرات، الأولى طُرحت الفكرة بشكل كوميدي عن المجمع العلمي، واهتمام الاعلامين بالمبنى وتجاهل الضحايا، والثانية عن مذبحة بورسعيد ورددوا الأغنية الخاصة بالأولتراس الأهلاوي، ومؤخرًا عن ترسيخ مفهوم أنهم ينعون جميع الضحايا باعتبارهم أشقاء في وطن واحد. "1980 واحنا طالعين" عرض من إخراج محمد جبر، وتأليف محمود جمال، وتمثيل مصطفى محمد، ومحمود عبد العزيز، وسمر نجيلي، أحمد الليثي، وعاصم رمضان، وعلى محمد، ومحمود جمال، ومحمد خليفة، ومحمد العتابي، ووليد عبد الغني، وحاتم صلاح، ومروة الصباحي.