القدس (رويترز) - شعرت حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) برياح التغيير السياسي في منطقة الشرق الاوسط فانحنت لها وتصالحت مع غريمتها حركة فتح كما تحاول تخفيف حدة صراعها مع اسرائيل. وتسخر اسرائيل من فكرة امكانية أن تغير حماس جلدها لكن محللين عكفوا على تحليل عدد من المقابلات التي أجريت في الاونة الاخيرة مع قياديين كبار في الحركة أعربوا عن اعتقادهم بأن التغيير يحدث بفعل الاحتجاجات التي تعصف بالعالم العربي. ورغم أن حماس تبدو مطمئنة في معقلها الساحلي بقطاع غزة الا أنها تواصلت الشهر الماضي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يحكم الضفة الغربية وأبرم الجانبان اتفاق مصالحة فجائيا لانهاء خصومة مع فتح استمرت أعواما. وبتوقيع اتفاق المصالحة تكون حماس قد جددت بالفعل التزامها بوقف لاطلاق النار مع اسرائيل. ولم تطلق أي قذائف مورتر ولا صواريخ من غزة منذ الاعلان عن الاتفاق يوم 27 ابريل نيسان لتتمتع المنطقة - وهي من أخطر المناطق الحدودية في العالم - بفترة هدوء نادرة. ومن الواضح أن حماس لم تعرب عن تأييدها الكامل للرئيس السوري بشار الاسد الذي يواجه أسوأ اضطرابات مدنية منذ توليه الرئاسة قبل 11 عاما وذلك على الرغم من أن سوريا تستضيف قياديين في حماس منذ عشر سنوات. وأثارت العلاقات الفاترة تكهنات ذهبت الى أن حماس قد تنقل مكتبها الاقليمي الرئيسي من دمشق لتبتعد بذلك أكثر عن فلك ايران. وستقوي حماس علاقتها بحكومات تربطها علاقات جيدة بالغرب مثل السعودية وقطر ومصر. وكانت المرة الاولى التي تظهر فيها اشارات متنامية الى تفكير الحركة الاسلامية في نقل مكتبها في تقرير لصحيفة الحياة المملوكة لسعوديين أوردته نقلا عن مصادر فلسطينية لم تذكرها. وقال هاني حبيب وهو محلل سياسي يعيش في غزة انه يعتقد أن حماس جادة هذه المرة وانها تنتهز فرصة وتريد أن تعطى فرصة. وأضاف أنه لا يعتقد أنه ينبغي للاعبين في المنطقة وفي باقي العالم أن يقلقوا من توجه حماس الى نهج أكثر اعتدالا. وترفض اسرائيل بشدة أي اقتراح بأن حماس قد تخفف من نهجها وتشير الى أن ميثاق تأسيس الحركة الاسلامية يدعو بوضوح الى تدمير اسرائيل. وتقول اسرائيل مثلها مثل العديد من حلفائها في الغرب ان حماس منظمة "ارهابية" وان الحركة وقعت في سقطة عندما وصف اسماعيل هنية القيادي في حماس أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الذي قتل في عملية أمريكية بأنه "مجاهد عربي" وذلك قبيل توقيع اتفاق المصالحة مع فتح. وقال يوفال ديسكين قائد جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي (شين بيت) في كلمة هذا الشهر "لا يمكن أن تغير حماس من ايديولوجيتها وسياستها وهي بالطبع لا تعتزم الموافقة على اتفاق سلام من أي نوع مع دولة اسرائيل." وأضاف أمام جمهور في تل أبيب أن حماس ربما توافق في أقصى حد "على وقف لاطلاق النار ستستخدمه في حشد قوتها." ومن المثير أن قياديين اخرين في حماس سارعوا بالنأي بأنفسهم عن تصريحات هنية التي أثنى فيها على بن لادن ووصفه فيها بأنه "شهيد." وقال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس والذي يعيش في المنفى لقناة (فرانس 24) التلفزيونية انه فيما يتعلق ببن لادن فان الجميع يعلمون أن حماس تختلف مع القاعدة في بعض الامور خاصة عمليات التنظيم التي تستهدف مدنيين. وأجرى مشعل مقابلات في الاسابيع المنصرمة بشكل أكبر مما كان يفعل منذ عدة سنوات أي أنه حريص على ما يبدو على أن يظهر للعالم ما هو موقف حماس على وجه التحديد من السلام في الشرق الاوسط. وعلى الرغم من أن مشعل لم يقر أن حماس ستعترف باسرائيل الا أنه أكد أنه يريد اقامة دولة فلسطينية وفقا لحدود ما قبل عام 1967 مما قد يوحي باستعداد الحركة الى قبول حقيقة اسرائيل. وأشار مشعل الى أنه سيتشاور من الان فصاعدا مع فصائل فلسطينية أكثر اعتدالا حول سبل مواجهة اسرائيل وقال انه لن يشن هجوما بعد الان دون وجود توافق عليه. وقال سامي أبو زهري وهو قيادي اخر في حماس لصحيفة (لو موند) الفرنسية ان المراقبين يجب ألا يركزوا على ميثاق حماس الذي صدر عام 1988 بل يحكمون على الحركة في ضوء ما يقوله قياديوها. لكن كل هذا لا يلبي معايير وضعتها الرباعية الدولية لصنع السلام في الشرق الاوسط والتي تضم الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا وتقول ان حماس يجب أن تعترف باسرائيل وتنبذ العنف اذا ما أرادت قبولها كشريك للسلام. وبخلاف اسرائيل - التي علقت على الفور تحويل المستحقات المالية التي تجمعها بالانابة عن السلطة الفلسطينية ردا على اتفاق المصالحة بين فتح وحماس - فان الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة يراهنان على الوقت أملا دون شك في أن تكون حماس في مرحلة تحول. ويرى محللون فلسطينيون أن حركة حماس أجبرت على اعادة ترتيب أوراقها بسبب الاحتجاجات في المنطقة العربية والتي هزت النظام في سوريا الذي يوفر لها الملاذ وعززت جماعة الاخوان المسلمين في مصر. وحماس هي أحد أجنحة الاخوان المسلمين في الاراضي الفلسطينية. وقال سمير عوض وهو محلل سياسي في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية ان الاحداث في سوريا والعالم العربي هي من العناصر الرئيسية التي أجبرت حماس على أن تبدو أكثر اعتدالا. وأضاف أن حماس لا يمكنها دعم النظام السوري الذي يقمع الاحتجاجات في سوريا وموقفها محرج للغاية. ونفت حماس أنها تفكر في مغادرة دمشق لكن مصادر قالت انها قد تفتح مكاتب جديدة في أماكن أخرى. وسيبعد أي انفصال عن سوريا حماس بشكل أكبر عن معسكر ايران ويعيدها الى النطاق العربي لتقترب أكثر من دول سنية لها نفوذ مثل السعودية وقطر والتي اعتادت على تمويل الحركة قبل أن ترفض واشنطن ذلك. ومن المبكر للغاية معرفة الى أين سيقود الربيع العربي حماس لكن لا يتوقع أحد أن تجلس الحركة الاسلامية الى طاولة التفاوض مع اسرائيل قريبا. وتفحص كل خطوة تتخذها الحركة ويروج أنصارها لقضيتها. وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان لقناة (بي.بي.اس) الامريكية الاسبوع الماضي "دعوني أبعث لكم برسالة واضحة للغاية. لا أرى حماس منظمة ارهابية" وذلك في دفعة كبيرة وقوية من تركيا الدولة الاسلامية الوحيدة في حلف شمال الاطلسي. وأضاف اردوغان في تصريحات أسعدت حماس لكنها زادت من تأزم علاقات أنقرة مع اسرائيل "انها حركة مقاومة تحاول حماية بلدها المحتل."