وجه ضاحك، يدان تعودتا على فعل الخيرات منذ كانتا صغيرتين، وقلب تربى على عبادة الله منذ كان عمره خمس سنوات، قبل أن يفطن حتى لمعنى كلمة ''إسلام''. الكلام السابق ليس جزءا من كتاب ما؛ لكنه كلام جاء على لسان أم أخرى فقدت ابنها في أحداث ''مجزرة بورسعيد'' وفقدت معه جزءاً من روحها، لكن ما خفف عنها الألم كمن هم في مثل حالتها أنها احتسبته ''شهيداً'' واحتسبت أجرها كأم ثكلى عند الله. ''مصطفى عصام''.. ابن التاسعة عشر من العمر نزل كغيره في أيام الثورة المصرية؛ حيث الغاز والرصاص لكنه لم يخفِ ذلك على والدته، لكن حبه للكرة جعله لم يخبرها عن ذهابه لماتش ''بورسعيد''؛ إذ أنها ''مكنتش أعرف إن مصطفى راح الماتش، لو كان قالي إنه رايح كنت منعته، ده قاللي أنا رايح معرض الكتاب يا ماما''.. قالت ''ليلى'' والدة ''مصطفى'' عن أخر حوار بينها وبين وليدها. كان ''مصطفى'' طالباً في السنة الإعدادية بكلية ''الهندسة'' جامعة الأزهر عندما وافته المنية؛ فهو ككل إخوته الأخرين أكمل مراحل تعليمه الثلاث الأولى بين جنبات الأزهر حتى دخل الجامعة، وعلى حد قول والدته '' كان بيروح المسجد وهو عنده خمس سنين، وكان بيعتكف وكان بيعمل خير تبع جمعيات خيرية ومستشفى سرطان الأطفال''. بدأ اهتمام ''مصطفى'' بالكرة منذ المرحلة الإعدادية؛ فهو لم يكن اجتماعياً بشكل كبير، لكنه وجد في الساحرة المستديرة ما يجعله أكثر تقرباً لمن هم في مثل سنه فحرص على حضور الماتشات. لكن الشهيد لم ينضم ل''الأولتراس'' إلا بعد أن دخل الجامعة؛ فحكت والدته أنه '' قاللي أنا انضميت للأولتراس، واشترى التيشيرتات بتاعتهم وبقى يحضر معاهم ماتشات، بس عمره ما سافر معاهم، إلا المرة بتاعة بورسعيد اللي مات فيها''، مشيرة إلى أن ''مصطفى'' كان يحب ''الأولتراس'' بشكل كبير حتى أنه '' كان بيقعد يغني أغنياتهم في البيت علطول''. عندما حلّت ساعة الموت كانت والدة الشهيد تشتري بعض الأشياء للمنزل وعلمت من كلام الناس في الشارع أن هناك 25 شاباً ماتوا في بورسعيد، وعلى الرغم من عدم معرفتها بذهابه للماتش المنكوب، إلا أنها قالت لابنتها الصغرى أن ''مصطفى مات''. اتصلت الأم الخائفة بهاتف ابنها ليرد عليها شخص ويخبرها أن ''شدي حيلك مصطفى مات''، تلقت ''ليلى'' الكلمات الكارثية بصبر ورضا، ثم تحاملت على نفسها وأخبرت الوالد الذي ذهب ليستلم جثة ابنه الذي مات على إثر نزيف حاد في المخ كما كُتب في شهادة الوفاة. ''أنا كنت بجهز مصطفى عشان يموت شهيد''.. قالتها الأم بفخر؛ فهي وإن كانت قد رغبت في أن يموت مصطفى شهيداً ''وهو يحرر الأقصى'' فقد مات شهيدا على كل حال كما تتمنى، وحقق لها ما أرادته وهذا ما جعل قلبها يهدأ خاصة وأن ''مصطفى'' ليس الفقيد الأول لها بين الأبناء بل ''كان عندي ابن أكبر من مصطفى ومات غرقان برضو سنة 2003، بس أنا احتسبتهم شهداء''. أما الحكم الذي صدر بحق ''مذبحة بور سعيد'' فقد أرضى أهل ''مصطفى عصام''، خاصة وأن أمه تمنت أن'' كنت عايزاهم ياخدوا إعدام وأهو الحمد لله خدوا، وحاسة إن برضو يوم تسعة مارس الباقيين هياخدوا أحكام تقيلة''. على الرغم من أن انضمام ''مصطفى'' ل''أولتراس'' أهلاوي كان أحد مسببات موته لكن الأم اعتقدت أن ''الأولتراس شباب جدع جدا ورجالة ومش عايزين حاجة غير حق اللي ماتوا، لا ليهم في التخريب ولا الغلط زي ما بيقول الإعلام''، مؤكدة أنهم ''منظمين جدا وعندهم طاقة عظيمة بس محتاجين يتوجهوا صح''.