قراران ظلا في مواجهة بعضهما البعض؛ الأول يصدر فتنطلق الرافعة لتحمل ''بلوكات'' حجرية تضعها متراصة، وتكتمل صورة الجدار الخرساني المرتفع فلم يعد يرى أي جانب الآخر، ومعها تسجيل بناء ''جدار عازل''، ليفصل بين خط الصدام الذي لم تجد له ''الأوامر'' حل سوى إنشاء هذا الجدار بعرض الشارع. شاهد الفيديو القصر العيني أما الثاني، يصدر فتنطلق جموع من الشباب قبالة الجدار؛ البعض يتسلقه وآخرين في انتظار الإشارة للتحرك، حتى إذا ما تأكدت، ارتفع أحد الحبال أو السلاسل ليتم تثبيته في حلقة الحجر الخرساني الضخم، ومعها يتم تسجيل هدم ''جدار عازل''، هكذا تعاقب هذين المشهدين بين الحين والآخر منذ بناء أول ''جدار عازل'' في 24 نوفمبر 2011 بشارع ''محمد محمود'' . وفي 24 يناير 2013 أعلن شارع '' قصر العيني'' عودة المشهد مرة أخرى بعد مرور ما يقرب من 10 أشهر على هدمه لأول مرة بعد بناءه في ديسمبر 2011 في أعقاب أحداث '' مجلس الوزراء'' .
وكانت محاولات الهدم أخذت شكلاً معنوياً في البداية بقيام عدد من الشباب بالدعوة لإزالة الجدران من خلال رسم ''الجرافيتي'' عليها بشكل يظهر وكأن الشوارع مفتوحة وهى ما عُرفت بجمعة ''9 مارس.. مفيش جدران''.
وإن كان جدار ''القصر العيني'' شهد قبلها في الشهر ذاته محاولات للهدم خاصة عقب أحداث ''استاد بورسعيد'' والتي على إثرها زادت محاولات الهدم للجدران في جميع الشوارع التي قامت بها، وكانت تلك المحاولات، هي الأولى لهدم جدار ''القصر العيني''، أما الثانية قبل 10 أشهر وتحديداً شهر إبريل 2012 . شاهد الفيديو هدم جدار ''لوح خشبي'' و''حبال'' كانت كل أدوات جموع الشباب الذين قرروا هدم الجدار وقتها؛ حيث ينقسم هذه الجموع بين عدد قليل يتسلق الجدار وهم ما يمكن اعتبارهم ''قادة'' الهدم؛ يثبتون الحبل بحلقة إحدى أحجار الجدار؛ يوجهون منَ يمسكون الحبال أسفل الجدار في قوة وحماس استعداداً للسحب والإيقاع بهذا الحجر. وما أن يتم التأكد من ثبات الحبل، مع قيام آخرين بوضع لوح الخشب هذا في فراغ يظهر أسفل تلك الأحجار؛ فإذا ما تمت كل ذلك كان ''القادة'' من أعلى يعطون إشارة البدء في السحب وهم يساعدون بدفع الحجر للسقوط مع قيام أحدهم بقول '' 1-2-3 وشد''. وفي حركات متتابعة بالأسفل يأتي ترديد '' 1-2-3 .. هوب '' أشبه بعمال التراحيل والبناء؛ حيث يمسك بالحبال الشباب الأكبر سنناً بينما يشارك الأطفال في طرف الحبل، ويستمر الأمر حتى يستسلم الحجر ويسقط أرضاً؛ فتتعالى الصيحات والصفير ''يسقط يسقط .. حكم العسكر''، يعقبها هتاف حماسي لاستكمال الإسقاط '' ولسه.. ولسه''. تمر الأيام ويلوح مشهد الهدم في أفق جدار ''القصر العيني'' مرة أخرى لكن بشكله المعنوي في رسم ''الوجه المبتسم'' على الجانب المواجه لميدان التحرير وخلفيته قوات الأمن، وذلك بعد اشتباكات شهدتها ذكرى أحداث ''محمد محمود'' في نوفمبر 2012. ليعود المشهد ذاته من جموع الشباب والمحاولات المستميتة؛ ما لشيء سوى الإيقاع بتلك الأحجار الفاصلة، وفي ليلة ذكرى مرور عامين على ثورة يناير، ربما شاب المشهد قليل من الاختلاف؛ فلم يكن الإسقاط هذه المرة فردي لحجر تلو الأخر بل جماعي. بالطريقة ذاتها؛ ''حبل'' جمع الصخور الحجرية وأمسك بتلابيبه مجموعة شباب في حماس معتاد، وإذا بعمود حديدي يحملونه ويثبتونه فيما ظهر من فراغ أسفل إحدى الأحجار وما هي إلا ثواني بدفع هذا العمود حتى انهار عدد من الأحجار دفعة واحدة. ومع ذلك السقوط ظهر صوت إطلاق قنابل مسيلة للدموع من أفراد الأمن المركزي المتواجدة في حذر خلف الجدار المنهار جزئه العلوي، مع من وقف أعلى الجدار المنهار محاولاً التهدئة ومنع حماس البعض من العبور. الصيحات ذاتها فرحاً برؤية الأحجار تهوى إليهم؛ فالخوف سقط والجدار أيضاً، لكن هذه المرة لم يأتي أول هتاف بالإسقاط إنما بالغضب '' الداخلية بلطجية''، مع صيحات متداخلة تحمل الغضب هي الأخرى. وما هي إلا ساعات قليلة بعد وقوع بعض المناوشات بين المتظاهرين والأمن حتى ظهر بالجانب الأخر الكتل الحجرية من جديد والرافعة لبناء ''جدار عازل'' آخر على مسافة مما تم هدم جانب منه، ليتم تسجيل أسرع مشهد متبادل للهدم والبناء بين المتظاهرين ورجال الداخلية.