عادت فعاليات الاحتجاج شبه اليومية ضد إجراءات مصر في إغلاق أنفاق التهريب إلى الواجهة في قطاع غزة وسط تزايد أزمات السكان جراء نقص الخدمات الأساسية. في هذا الشأن، يقول ملاك وعاملون في أنفاق التهريب: ''إن السلطات المصرية أغلقت ضمن حملتها نحو 200 نفق من أصل نحو 800 يتم من خلالها عمليات التهريب المختلفة''، والمثير في الحملة المصرية وفق ذات المصادر أنها طالت أنفاقًا ذات أهمية في التوريد اليومي للبضائع، خاصة مواد البناء التي بدأت كمياتها بالشح وأسعارها بالارتفاع. ويقول رئيس اتحاد الصناعات الإنشائية في غزة، علي الحايك: ''إن أسواق القطاع شهدت خلال الأسابيع الأخيرة شحًاً في مستلزمات البناء، ما أثر على حركة الأعمار التي كانت تصاعدت منذ عام ونصف''. وأوضح الحايك أن تدمير عشرات الأنفاق أدى إلى توقف عجلة المشاريع الإنشائيه باستثناء المشاريع التي تنفذها المنظمات الدولية التي يسمح الجانب الإسرائيلي لها بدخول مواد البناء عبر معبر كرم أبو سالم. ونوه الحايك إلى أنه كان للأنفاق خلال العامين الماضيين الأثر الأكبر في إعادة إعمار وبناء أعداد كبيرة من المباني والوحدات السكنية، في حين أنه ما زال هناك الكثير من مواطني القطاع ينتظرون حتى الآن إعادة بناء منازلهم المدمرة. وإلى جانب مواد البناء فإن شحًا بدأ يتصاعد في كميات مشتقات الوقود التي يعتمد قطاع غزة على مصر في توريد أغلب كمياتها، نظرًا لانخفاض أسعارها مقارنة مع ما تورده إسرائيل. وأدت الحملة المصرية إلى تسريح العشرات من العمال مع تزايد أعداد الأنفاق المغلقة أو المتوقفة عن العمل من جراء أوسع وأكبر حملة مصرية لتدمير الأنفاق منذ سنوات طويلة، فيما يتجمع العديد من العمال المسرحين قرب بوابة صلاح الدين أو في محيط منطقة الأنفاق في رفح للبحث عن فرص عمل ولو مؤقتة، لكن معظمهم يعودون أدراجهم خائبين. ويشير الشاب أحمد فرج الذي كان يعمل في نفق لتهريب السلع والبضائع المختلفة إلى أن هذا النفق كان من أول الأنفاق التي تضررت جراء الحملة، مضيفًا أنه وزملاءه العمال كانوا يظنون أن إغلاق النفق لن يستمر سوى أيام ثم يعيدون ترميمه بعد توقف الحملة. وتوقع أن تصاب عمليات التهريب من خلال الأنفاق بمزيد من الانتكاسات خلال الفترة المقبلة، في حال استمرت الحملة وتواصلت عمليات تدمير الأنفاق بالوتيرة نفسها. ويقول محمد راشد الذي يمتلك نفقًا في حي البراهمة غربي رفح: ''إن أعداد العمال ممن يفقدون مصادر رزقهم في الأنفاق تتزايد يومًا بعد يوم، وبعضهم بات يرضى بعمل شاق وبأجرة أقل بكثير من ذي قبل كي لا يظل صفر اليدين''، وبين أن المنطقة الحدودية تفقد نشاطها تدريجيًا، ولم تعد كميات السلع والبضائع التي تهرب عبر الأنفاق تتجاوز نصف الكميات التي كانت تهرب قبل الحملة. ويعرب سائقو الشاحنات عن انزعاجهم لما آلت إليه الأوضاع في الأنفاق، وقال عدد منهم إنهم يقفون قرب المنطقة الحدودية ساعات عدة بانتظار نقل بضاعة تخرج، بعد أن كانت شاحناتهم لا تتوقف عن الحركة ذهابًا وإيابًا طوال اليوم. وكانت الأجهزة الأمنية المصرية قد أرسلت تحذيرات مكتوبة قبل أسابيع وسلمتها لكثير من السكان ممن يمتلكون أنفاقً تؤدي إلى القطاع الساحلي المحاصر منذ ست سنوات، وبدأت مصر إغلاق الأنفاق بعد هجوم شنه مسلحون متشددون في أغسطس الماضي في بلدة رفح المصرية قتل خلاله مسلحون 16 جنديًا مصريًا. وفي غزة تتواصل الفعاليات الرافضة لهدم الأنفاق في صور تعيد إلى الأذهان ما كان يحدث أيام زمن عهد الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك. وتبدو هذه التطورات وقد أضعفت من تطلعات حركة حماس التي كانت علقت أمالًا عريضة على تولي جماعة الأخوان المسلمين مقاليد الحكم في مصر عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير. وعادت حماس لتحذر من انفجار شعبي في غزة إذا ما واصل الجيش المصري تدمير الأنفاق دون إيجاد بديل لها. وقال رئيس بلدية رفح التابعة لحركة حماس، صبحي رضوان: ''إن تراجع الواردات عبر الأنفاق جراء تدميرها سيعيد قطاع غزة إلى سنوات الحصار المشدد الذي مارسته إسرائيل ونظام مبارك''، وأضاف رضوان: ''الجميع يعلم أن الأنفاق توفر أكثر من سبعين بالمئة من احتياجات القطاع فكيف تغلق دون إيجاد البديل''. وتقصد حماس بالبديل للأنفاق اقتراحها على مصر بإقامة منطقة تجارية حرة الذي طرحته قبل أسابيع، وقال يوسف رزقة، المستشار السياسي لرئيس الحكومة المقالة التي تديرها حماس: ''إن مصر لم ترد رسميًا حتى الآن على الاقتراح لكنها تنظر إليه بأهمية''. واعتبر رزقة أن إقامة المنطقة التجارية ''يخدم مصالح مصر خاصة فيما يتعلق بتأمين منطقة سيناء وحل المشكلات الأمنية فيها''، مشيرًا إلى أنها ستوفر لمصر ضخ أكثر من مليار دولار سنويًا من خلال العلاقات التجارية مع غزة، لكن رزقة أقر بوجود ''عقبات عديدة'' أمام المشروع خاصة قضية الانقسام الفلسطيني الداخلي، واعتبر أن التعاون الفني المشترك بين غزة والقاهرة من شأنه تجاوز هذه العقبات وتشكيل بديل لحين إتمام المصالحة. وتؤيد السلطة الفلسطينية في رام الله سياسة إغلاق الأنفاق من قبل الجيش المصري، وترفض فكرة إقامة منطقة تجارية بين غزة ومصر دون أن تكون شريكًا أساسيًاً. ويرى مراقبون أن مصر تدرك تمامًا أنه لا يمكن إغلاق الأنفاق بشكل كامل ومفاجئ لأنها تعرف أن هذا سيؤدي إلى نتائج كارثية وأوضاع اقتصادية صعبة ستلحق بقطاع غزة، لكن هؤلاء لا يعتقدون أن المنطقة التجارية الحرة تمثل بديلًا مناسبًا للأنفاق كون أن تنفيذها لن يكون قريب باعتبارها تحمل أبعادًا سياسية واقتصادية ودولية وقانونية إلى جانب المخاوف المتكررة من إلحاق قطاع غزة بمصر.