تتواصل في مصر الانتخابات التشريعية الأولى بعد نجاح ''ثورة 25 يناير'' في إنهاك عهد حسني مبارك، بما عُرف عنه ذلك العهد من انتخابات يشوبها الكثير من التزوير وتُعرف نتائجها مسبقاً وتعزف عن المشاركة فيها أغلبية المصريين. صباح الاثنين توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في دورة الإعادة في الجولة الأولى التي تشمل تسع محافظات، من بينها القاهرة والإسكندرية، المحافظتين الأكبر عدداً وتأثيراً. ولأن دورة الإعادة تقتصر على المقاعد الفردية، التي لم يحصل فيها مرشح على الأغلبية المطلقة، فإن التنافس فيها اقتصر في معظم الدوائر على الكتلتين اللتين حققتا النتائج الأكبر في الدورة الأولى، وكلتاهما من الإسلاميين: حزب العدالة والحرية، ممثل جماعة الإخوان المسلمين، وحزب النور، ممثل التيار السلفي، فيما كانت هناك دوائر قليلة تنافس على تصدرها مرشح إسلامي وآخر ليبرالي، من ''الكتلة المصرية''. المشهد السياسي المصري كما ترسمه الانتخابات الجارية حالياً، وما يثيره من تفاؤل لدى البعض، باعتباره الخطوة الأولى في طريق الديمقراطية الطويل، ومن مخاوف لدى البعض الآخر، باعتباره مؤشراً على هيمنة تيارات ''متطرفة'' على هذا البلد المركزي، كان موضوع حلقة هذا الأسبوع من برنامج ''جسور'' الحواري''، الذي تعده إذاعة هولندا العالمية بالتعاون مع الشركاء الإعلاميين في البلدان العربية. وكانت هذه الحلقة بالتعاون مع صحيفة وموقع ''المصري اليوم''. استضاف البرنامج من القاهرة الصحافية المصرية فتحية الدخاخني، من ''المصري اليوم''، والزميل محمد عبد الحميد عبد الرحمن، من هولندا. في بداية الحوار أشرت الصحافية فتحية الدخاخني تراجع نسبة الإقبال على المشاركة في اقتراع الإعادة، بالقياس مع الإقبال في الدورة الأولى. وعزا الزميل محمد عبد الحميد عبد الرحمن ضعف الإقبال إلى اقتصار المنافسة في أكثرية الدوائر الانتخابية بين الإسلاميين أنفسهم، مما جعل أنصار التيارات الأخرى تعزف عن اقتراع يجبرهم على الاختيار بين ''إخواني'' و ''سلفي'' ولعل ما يرجح هذا التفسير الارتفاع النسبي للمشاركة في الدوائر التي يكون التنافس فيها بين مرشح إسلامي وآخر ليبرالي. ''. وإذا كان هذا هو بالفعل سبب تراجع نسبة المشاركة، فإنه يشير ضمناً إلا أن أنصار ''العلمانية'' في مصر، لا يرون فارقاً مهماً بين الأحزاب الإسلامية المختلفة، وبالتالي لا يرغبون في المشاركة بترجيح أحدها على الآخر. يعلق عبد الرحمن على هذه الرؤية بأنه ''ليس من الصحيح ولا من الحكمة أن نضع الحركات الإسلامية كلها في سلة واحدة. فحزب الحرية والعدالة انبثق من حركة أصبحت لديها خبرة طويلة في العمل السياسي، مما يجعلها قادرة على التعامل مع مخاوف الآخرين.'' لكن الدخاخني ومن خلال متابعتها اليومية للنشاط السياسي والإعلامي في مصر، ترى أن الإخوان ''لم يقدموا رسائل تطمين كافية للأطراف المتخوفة من صعود الإسلام السياسي. كما أنهم لم يحاولوا أن ينأوا بأنفسهم عن التيار السلفي، بل إن كثيراً من البرامج الحوارية على القنوات المصرية تقدم ممثلي الحزبين عادة بأنهما يمثلان تيارا واحداُ، ولم يبد ممثلو ''الحرية والعدالة'' اعتراضا على ذلك، وفي بعض شكل الحزبان ما يشبه تحالفا انتخابيا في بعض الدوائر.'' إلى جانب هذا التفسير، لم تستبعد فتحية الدخاخني سبباً ''عملياً'' آخر لتراجع نسبة الإقبال، يتمثل في مسألة ''الغرامة'' التي يفرضها القانون الانتخابي المصري الحالي على عدم المشاركة في الاقتراع. وبسبب عدم وضوح هذه المادة القانونية، فإن كثيرين يعتقدون أن المشاركة في الدورة الأولى تكفي لتجنب دفع الغرامة، وهكذا فإن من شارك بسبب تجنب العقوبة المالية فقط، قد عزف عن المشاركة في الدورة الثانية. فتحية الدخاخني قريبة بحكم عملها من المنظمات الدولية العاملة في مصر، وقالت إن هذه هي أول مرة تشارك منظمات أجنبية في مراقبة الانتخابات، حيث كان النظام في العهد السابق يمنع ذلك. ولا يزال نشاط المنظمات الدولية والأجنبية يثير التحفظات كما يظهر من تجنب استخدام مصطلح ''المراقبة''، حيث تم الاتفاق على القبول بوجود هذه المنظمات تحت عنوان ''مشاهدة'' العملية الانتخابية. وتنقل الدخاخني عن جميع المنظمات الدوليى تقريباً، أنها ''فوجئت'' بالانضباط الذي ساد العملية الانتخابية، وعدم حدوث اية توترات كان البعض يتوقعها، ولم تؤشر هذه المنظمات خروقات كبيرة أو جوهريةلا يقتصر الاهتمام الدولي بالانتخابات المصرية على متابعة الجانب التنظيمي والحقوقي في الانتخابات. يقول محمد عبد الحميد عبد الرحمن إن ''مصر ليست مثل تونس، فهي دولة مركزية، ما يحدث فيها يؤثر على عموم المنطقة بقوة. لذلك هناك اهتمام كبير بما ستسفر عنه الانتخابات المصرية.'' ويعتقد عبد الرحمن أن الحزب الحائز حتى الآن على الأكثرية، أي حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، يدرك جيداً الأبعاد الدولية لما يحدث في البلاد، وسيكون أمامهم تحدِ كبير يتمثل في تطمين الآخرين، ليس فقط التيارات الليبرالية وغير المسلمين في مصر، ولكن أيضا القوى الدولية، بأنهم ''لن يأخذوا مصر ومعها المنطقة نحو التطرف الأيديولوجي والسياسي.'' ومهما تكن النتائج فقد اتفق المشاركان في الحوار على أن الانتخابات التي تجري حالياً هي الخطوة الصحيحة في اتجاه تحقيق الديمقراطية في مصر. وأشار عبد الرحمن إلى أن الديمقراطية قادرة على أن تصحح نفسها، وتعدل مسارها. وفي المقابل أوضحت الدخاخني أن هناك من يتخوف في مصر من أن تيارا ما قد يستخدم الآلية الديمقراطية للوصول إلى الحكم، لكي يبقى فيه بآليات غير ديمقراطية، لكنها تنقل أيضا الانطباع العام في مصر، أن هذه المخاوف لا مبرر لها، ''فلن يستطيع أي حزب بعد الآن أن يفعل ذلك فالمصريون عرفوا الطريق إلى الشارع لفرض إرادتهم.''