عمان (رويترز) - تعلو أصوات الروافع وهي تبني مركزا ماليا حديثا في وسط العاصمة الاردنية عمان الا أن فخامة هذا الصرح ذي الحوائط الزجاجية لا تتمشى مع أجواء الانكسار التي هيمنت على المستثمرين الذين خسروا المليارات عندما انهارت السوق. وقال جابر سلايمة بينما كان يتابع جلسة أخرى تراجعت فيها السوق في مبنى البورصة الاردنية القديم "خسرت مدخرات العمر." وخسرت استثمارات سلايمة ثلثي قيمتها خلال عامين مع هبوط الاسهم في بورصة عمان في المتوسط 54 في المئة عن ذورة صعودها في منتصف يونيو حزيران 2008. وأبعد الهبوط البعض عن الاسهم كلية. ويبلغ متوسط قيمة التداول حاليا نحو 20 مليون دينار (28 مليون دولار) وهو ما يقل بنسبة تزيد على 75 في المئة من مستوياته في 2008. وفيما يعكس تبدل الحظوظ في السوق تجري أغلب التعاملات حاليا على أسهم مضاربة وليس على أسهم شركات كبرى مثل البنك العربي وهو ملاذ امن تقليدي لصغار المستثمرين. وقال طارق يغمور رئيس البحوث والاستثمارات في شركة كابيتال للاستثمارات "نلاحظ تحول اهتمام المتعاملين من الاسهم القيادية الى أسهم المضاربة في عمليات كر وفر سريعة في سوق بها عدد اقل من المستثمرين وأكبر من المضاربين." ويشكك كثير من المستثمرين حاليا في ضرورة انشاء المبنى الجديد للبورصة والذي صممته شركة وودز بيدوت الاسترالية ويتكلف 120 مليون دولار في المملكة الشحيحة الموارد والتي تعتمد على المساعدات وبدأت منذ وقت قريب تتعافى من أسوأ تباطؤ اقتصادي تعاني منه منذ أزمة اقتصادية تعرضت لها في عام 1989. وبالنسبة للمخططين للمشروع في الهيئة المنظمة لاسواق راس المال فان هذا المبنى الذي يرتفع الى ثمانية طوابق يرمز الى حلم الاردن بمنافسة المراكز المالية الخليجية مثل دبي التي حولت نفسها من صحراء الى مركز اقليمي للاعمال. ولا بد أن هذا كان يبدو فكرة طيبة في سنوات الرواج عندما ساعدت تدفقات السيولة من مستثمرين اقليميين لاسيما في العراق ومنطقة الخليج العربية المصدرة للنفط في تضاعف قيمتها السوقية بواقع ثمانية أمثالها منذ عام 2000 . وخسرت البورصة نحو ثلث قيمتها السوقية بعدما بلغت ذورتها عند 29.21 مليار دينار (41 مليار دولار) في نهاية 2007 بعدما تسببت تقارير عن مشكلات ديون في شركات عقارية ومالية في هروب المؤسسات الاستثمارية. وجسدت محنة البورصة الاردنية أزمة اقتصاد المملكة الذي يعتمد على واردات النفط والذي تباطأ نموه من 7.9 في المئة في 2008 الى 2.3 في المئة في 2009. واستفادت البورصة الاردنية - الى أن ظهرت الازمة العالمية - من مكانة المملكة كملاذ امن في منطقة تموج بالاضطرابات السياسية من العراق الى لبنان والاراضي الفلسطينية. وبدعم من سياسات تحرير السوق المؤيدة للغرب وضعت السوق الاردنية منذ وقت طويل ضمن أكثر الاسواق انفتاحا في المنطقة الى جانب مصر والمغرب وتركيا. وقال وليد علي النعسان الرئيس التنفيذي للوحدة الاردنية للمجموعة المالية هيرميس "كانت هناك سيولة كبيرة في المنطقة وحصلنا على نصيب جيد من المستثمرين العرب والمغتربين المحليين في المنطقة الذين كانوا يبحثون عن فرص كبيرة في الاستثمارات العقارية." وتدفقت مليارات الدولارات من أثرياء عراقيين فروا من العنف في بلادهم الى الاردن وأموال من الجالية الفلسطينية الكبيرة واستثمر جزء منها في الاسهم والقطاع العقاري. كما ساعد عدم وجود قيود على الملكية الاجنبية أيضا في زيادة نسبة الاسهم المملوكة للاجانب الى 49.2 في المئة من اجمالي رسملة السوق في نهاية 2008 من 38 في المئة في 2003 . ويقول محللون ومسؤولون ان وضع الاردن كملاذ امن والسياسات الاقتصادية الليبرالية لا يزال قائما وسيساعد البورصة على التعافي مع انتعاش الاقتصاد العالمي. وقالت هيئة الاوراق المالية - التي تحدد قواعد الادراج والافصاح لاكثر من 240 شركة مدرجة - ان تحسين البيئة التنظيمية والشفافية يمهد للانتعاش السريع ما ان يتعافي الاقتصاد. وأضاف بسام الساكت رئيس الهيئة أن الخطوات التي اتخذتها لتعزيز القواعد لحماية المستثمرين تعزز ثقتهم وتمهد الطريق أمام الانتعاش بعد تحسن صورة الاقتصاد الكلي. وعلى الجانب الايجابي لم ينسحب من مؤسسات الاستثمار العربية ذات الاستثمارات طويلة الاجل في الشركات الكبرى والبنوك سوى عدد قليل. وجذبت السندات الحكومية كملاذ امن كثيرا من المستثمرين فيما فاقم شح السيولة في السوق لكن البنك المركزي شجع البنوك على استثمار أموالها بشكل يساعد في التعويض عن أثر التباطؤ في النشاط التجاري. وشكلت الحكومة منذ وقت قريب لجنة لبحث كيفية انعاش التداول مما عزز الامال في أن هذا قد يسرع سن قانون طال تأخره بشأن الصناديق المشتركة ويمهد الطريق أمام ادخال أدوات تداول جديدة مثل مشتقات الاسهم. ومن بين المقترحات الاخرى ادراج سندات اسلامية (صكوك) لدعم القدرة التنافسية للبورصة في المنطقة واستعادة بعض أموال الاسواق الصاعدة التي تجاهلت الاردن. وقال طلال سمهوري المستشار المالي المستقل "الادوات الجديدة ستدعم السيولة في السوق وتجعلها أكثر ربحية بالنسبة للمستثمرين الدوليين." ولا تزال أعمال البناء مستمرة في المركز المالي الجديد الذي سيضم قاعة للتداول ومكاتب للسماسرة وأكاديمية اقليمية لتداول الاوراق المالية عندما يتم افتتاحه العام القادم.