عين العرب (سوريا) (رويترز) - لا يفصل بين بلدة عين العرب السورية وبلدة مورستبينار التركية سوى خط السكك الحديدية القديم بين برلين وبغداد لكن التناقض بين جانبي هذا الخط هائل لدرجة أنهما ربما يكونان على كوكبين مختلفين. من السمات البارزة في بلدة عين العرب الحفر التي تعادل حجم فوهة البركان كما أن الطرق الجانبية ليست ممهدة. وتغرق الشوارع في مياه الصرف الصحي بينما يشيع انقطاع الكهرباء. أما الارض الزراعية فانها محرومة من مياه الري بعد أن استنزف المزارعون مصادر المياه بينما تزيد موجات الجفاف من الوضع سوءا. أما على الجهة الاخرى من الحدود في البلدة التركية فالمنازل نظيفة المظهر والشوارع مضاءة والارض مكسوة بالخضرة. بل ان السوريين من عين العرب كثيرا ما يستخدمون شبكات الهواتف المحمولة التركية نظرا لان الخدمة هناك ينظر لها على أنها أرخص وأفضل. وتبرز الهوة بين البلدتين مدى الفارق بين سوريا وجارتها الشمالية التي تنظر لها باعتبارها قدوة يحتذى بها في مجال التنمية وحجم التحديات التي تواجهها دمشق لتوفير خدمات أساسية مثل شبكات الطرق والكهرباء والمياه للسكان. وتشيع البنية الاساسية المتداعية وتدني التنمية في أنحاء سوريا من العاصمة دمشق الى المنطقة الشرقية التي تحولت الى ما يشبه كومة رماد بعد أربع سنوات من الجفاف الذي عصف بالزراعة وسبب نزوح 600 ألف من السكان طبقا لتقرير للامم المتحدة. وتطل حفارات النفط على المناطق العشوائية في محافظة دير الزور شرقا لكن الحياة في القرى المجاورة بامتداد نهر الفرات لم تتغير فيما يبدو منذ قرون باستثناء الاكياس البلاستيكية المتناثرة التي تلوث البيئة. وتغطي الكهرباء التي تولدها سوريا 70 في المئة من اجمالي الطلب في سوريا. حتى حلب التي كانت يوما مركزا حضاريا عظيما في منطقة الاناضول تغرق في الظلمة نظرا لان السلطات مضطرة لاطفاء أنوار الشوارع. وناشد القائمون على الصناعة هناك السلطات تنظيم عملية قطع التيار الكهربائي بدلا من قطعه بشكل عشوائي. وبعيدا عن العقارات وقطاع النفط الذي يبلغ انتاجه 375 ألف برميل يوميا فقط فان الاستثمارات الاجنبية الكبيرة ما زالت أمرا غائبا تقريبا عن سوريا. وقد تم تأجيل مشروع لربط حلب بميناء اللاذقية عبر طريق سريع ومن أسباب ذلك نزاعات بين الدولة وشركة الخرافي الكويتية للمقاولات. كما أن صفقة مع شركة نور الكويتية لاقامة شبكة من محطات الوقود للحد من مشكلة اصطفاف السيارات لفترات طويلة طواها النسيان. ولم تلق عروض للقطاع الخاص لتمويل وشق طريقين سريعين للاستفادة من موقع سوريا باعتبارها حلقة الوصل بين تركيا وباقي أجزاء الشرق الاوسط وبين البحر المتوسط والعراق اهتماما يذكر. كما أن موقع سوريا -الخاضعة لعقوبات امريكية منذ عام 2004 لدعمها جماعات مثل حزب الله اللبناني وحركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس)- ليس جيدا في المؤشرات الدولية التي تقيس الفساد وتسهيل التجارة ومباشرة الاعمال. ففي تقرير التنافسية العالمية 2010-2011 الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي جاءت سوريا في المركز 109 من بين 139 دولة فيما يتعلق بجودة النظام التعليمي. في حين أن دولا مجاورة احتلت مراكز متقدمة مثل لبنان الذي جاء في المركز 16 والاردن الذي جاء في المركز 55 . وبالنسبة لتقييم البنية الاساسية احتلت سوريا المركز 95 مقارنة بالاردن الذي كان ترتيبه 35 في حين كان المركز 139 من نصيب لبنان الذي كثيرا ما كانت اسرائيل تقصف طرقه ومحطات الكهرباء به خلال السنوات الثلاثين الماضية. وأقيمت أحدث محطات للكهرباء في منتصف التسعينات ولا يمكن لمصافي تعود الى 30 أو 40 عاما التماشي مع الطلب مما يكلف الدولة مليارات الدولارات من واردات الوقود. وقال رئيس الوزراء ناجي عطري انه سيجري اصلاح البنية الاساسية "بالشراكة" مع القطاع الخاص من خلال مشاريع البناء والتشغيل ونقل الملكية وغيرها من الترتيبات التي تخفف من عبء التمويل عن عاتق الدولة. وقال عطري ان الانجازات الاقتصادية للحكومة السورية حتى الآن "معجزة" وتوقع أن يتدفق الاستثمار لدعم مشاريع البنية الاساسية. لكن نظرا لعدم كفاءة شركات الانشاءات الحكومية وانتقاد المشاريع التي منحت للشركات الخاصة في العقود الماضية فان جذب الاستثمارات لمثل هذه المشاريع الضخمة ربما يمثل تحديا. وقال جهاد يازجي الذي يصدر موقعه على الانترنت (سيريا ريبورت) نشرات اقتصادية عن سوريا ان هناك حاجة لاطار قانوني وتنظيمي جيد وهو ما يمثل نقطة ضعف في سوريا. وتابع أن مثل تلك المشاريع تحتاج ضمانات كثيرة من الحكومة. وأضاف أن هذا سيحدث في نهاية الامر وأن هناك التزاما جادا وشعورا بأن الحكومة مستعدة لتلبية متطلبات جهات الاستثمار الخاصة. وقال عطري ان توليد الكهرباء وحده سيتطلب استثمارات قيمتها 760 مليون دولار سنويا لمجرد الوفاء بالطلب مضيفا أن الحكومة ستكون قادرة على التكيف بشكل أفضل لولا المعدل السريع للنمو السكاني في سوريا والذي يبلغ 2.4 في المئة. وشهدت الاستثمارات بعض التحسن اذ ان شركتين دوليتين هما شركة لافارج الفرنسية وايتالسيمنتي يبنيان مصنعين للاسمنت ربما يساعدان على حل مشكلة النقص بعد أن تخلت الحكومة عن احتكار هذا القطاع. كما لم يعد الحصول على خط هاتف أرضي في دمشق يستغرق سنوات وساعدت خدمات الهواتف المحمولة من الجيل الثالث بواسطة الشركات الخاصة على تحسين الاتصال بالانترنت. وفي عين العرب تم تحديث الطريق المؤدي الى نهر الفرات. لكن تقرير الاممالمتحدة هذا الشهر حذر من أن التحرير الاقتصادي خلال السنوات العشر الماضية -مثل رفع القيود التي كانت مفروضة على رأس المال الخاص في البنوك والصناعة والعقارات- ليس بالضرورة أن يتحول الى تنمية بشرية. وأضافت أن عدد الذين يعانون من الفقر المدقع -المحرومون من الطعام ومياه الشرب النظيفة والخدمات الصحية والرعاية الصحية والمأوى المناسب والتعليم والمعلومات- زاد الى ما يصل الى ثلاثة ملايين بعد أن كان العدد مليونين قبل ست سنوات. ويمثل نقص الخدمات الاساسية قضية حساسة في سوريا. وواجهت شخصيات مستقلة انتقدت الفساد والسياسة الاقتصادية للحكومة أحكاما بالسجن لفترات طويلة. وفي وقت سابق من العام الجاري ألقي القبض على الصحفي معن عاقل الذي شكك في تأكيد الحكومة على أن الفقر في سوريا لم يصل الى مستويات الفقر في افريقيا وأن الفساد تحت السيطرة وأمضى ثلاثة أشهر في السجن. وربط تقرير الاممالمتحدة التنمية الاقتصادية بالحاجة الى تحسين الحقوق في البلاد التي يحكمها حزب البعث منذ توليه السلطة عام 1963 والذي فرض قانون الطواريء وحظر المعارضة. وفي عين العرب وهي بلدة كردية تقطنها 70 ألف نسمة تمكن بعض السكان الذين لديهم قدرة على المغامرة من التغلب على الفقر من خلال العمل في حفر ابار جوفية بشكل غير مشروع وهو عمل خطير الا أنه مربح.