القاهرة (رويترز) - تنفست البنوك الكويتية الصعداء بعد أن استبعدت الحكومة فكرة انشاء صندوق مستقل اقترح برلمانيون تأسيسه لتمويل أول خطة حكومية للتنمية في الكويت وهو ما كان سيعني تهميش هذه البنوك وحرمانها من كعكة الخطة. وقالت صحف كويتية يوم الخميس ان الحكومة أعطت الضوء الاخضر للبنوك المحلية في اجتماع عقدته يوم الاربعاء لتمويل خطة تنمية تبلغ قيمتها 30 مليار دينار (104 مليارات دولار) كما أبدت استعدادها لدعم هذه البنوك من خلال ضمانات تقدمها لهم. كان مجلس الامة (البرلمان الكويتي) قد أقر في فبراير شباط الماضي خطة للتنمية تستغرق أربع سنوات وتهدف لتقليل اعتماد الدولة على ايرادات النفط وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في مشاريع التنمية. وبموجب الخطة فإن الحكومة ستقدم تمويلا بنسبة 50 في المئة بينما يتم توفير النسبة المتبقية من قبل مستثمرين من القطاع الخاص. وخلال الاسابيع الماضية دار نقاش واسع في الكويت حول فكرة انشاء الصندوق المستقل التي اقترحها نواب في مجلس الامة لتمويل الشركات والمقاولين الذين سيضطلعون بتنفيذ الخطة على أن يكون الصندوق "أكثر مرونة" في منح التمويل ولا يلتزم بمعايير الاقراض الخاصة بالبنوك والتي توصف من قبل هؤلاء بأنها متشددة. ويبدو أن هذه الفكرة لقيت تجاوبا من نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية وزير الدولة لشؤون التنمية الشيخ أحمد الفهد الصباح الذي يتمتع بنفوذ واسع داخل الحكومة والبرلمان والمسئول الحكومي الاول عن خطة التنمية. وقال الشيخ أحمد في يوليو تموز ان تأسيس صندوق وطني للتنمية يشكل رافدا اضافيا للتمويل الى جانب أدوات التمويل الاخرى في الكويت كالبنوك والسندات والصكوك. وأثار تصريح الشيخ أحمد مخاوف البنوك من امكانية استبعادها من تمويل خطة التنمية في لحظة تكافح فيها من أجل تجاوز تداعيات الازمة المالية العالمية. لكن المعارضة الاساسية لهذه الفكرة جاءت من أطراف حكومية مهمة كان أبرزها محافظ بنك الكويت المركزي الشيخ سالم عبد العزيز الصباح الذي رأى أن الصندوق وان لم يذكره بالاسم سيكون منافسا لدور البنوك المحلية ولن يكون ملتزما بما تلتزم به هذه البنوك من معايير صارمة في عمليات الاقراض بل وربما لا يكون خاضعا للبنك المركزي من حيث الاساس. وقال الشيخ سالم لصحيفة الراي الكويتية في الثامن من أغسطس اب الجاري ان تقديم الائتمان خارج اطار النظام المصرفي سوف يعيق البنك المركزي عن القيام بأحد أهم أغراضه وهي العمل على توجيه سياسة الائتمان كما سيؤدي الى الحد من قدرة البنك المركزي على رسم وتنفيذ السياسة النقدية على الوجه المطلوب منتقدا عدم خضوع هذا الصندوق لاي رقابة في منح الائتمان وغياب الضمانات التي تكفل التزام الجهة المانحة بالاسس والضوابط الائتمانية السليمة. وقال محللون ان الصندوق تسبب في خلاف حقيقي داخل الحكومة بين جناحين يمثل أحدهما محافظ البنك المركزي الذي يرى أن البنوك خرجت لتوها وبسلام من أزمة عالمية طاحنة ويجب الحفاظ عليها وتدعيمها بمنحها فرصة تمويل مشاريع الخطة وتشجيعها في الوقت نفسه على الالتزام بالمعايير الصارمة التي أنقذتها من تداعيات الازمة العالمية. بينما يمثل الجناح الاخر الشيخ أحمد الفهد الذي يرى أن الحكومة ومجلس الامة يجب أن يتعاونا معا لتذليل كل العقبات ومنها عقبات التمويل التي يمكن أن تعترض سبيل الخطة التنموية التي انتظرتها الكويت طويلا والتي سيتوقف على انجازها مستقبل البلاد ومكانتها بين جاراتها الخليجيات اللائي حققن تقدما كبيرا خلال العقدين الاخيرين. وأنهت الحكومة خلافها الداخلي في اجتماع عقده رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح يوم الاربعاء مع عدد من الوزراء والمسؤولين من بينهم الشيخ أحمد الفهد ومحافظ البنك المركزي وتم فيه مناقشة تمويل خطة التنمية. وقالت كونا انه تم خلال الاجتماع الاتفاق على نوعين من التمويل لمشاريع الخطة الاول هو التمويل التقليدي من قبل قطاع المصارف المحلي ووحدات القطاع الخاص المختلفة وتحت مظلة رقابة البنك المركزي والثاني هو الدعم المالي الميسر لفترات زمنية طويلة ومن خلال وحدات النظام المصرفي على أن تتم دراسة أساليب وخيارات الدعم المالي الميسر طويل الامد المقترح تقديمه لبعض الشركات. وقال مسؤولون مصرفيون ومحللون في اتصالات مع رويترز ان القرار الحكومي الاخير يعني ضمنا استبعاد فكرة تأسيس الصندوق المستقل وهو ما يعد انتصارا للبنوك معربين عن أملهم في أن يكون هذا القرار هو كلمة النهاية لقصة الصندوق بحيث تضطلع البنوك بدورها في تمويل خطة التنمية. وقال رئيس مجلس ادارة بنك الكويت الصناعي عبد المحسن الحنيف ان القرار "موفق" لا سيما أن البنوك الكويتية لديها تجارب ايجابية في تمويل المشاريع التنموية كما أنها تخضع لرقابة من البنك المركزي. وأضاف الحنيف أن هناك تفاصيل غير واضحة في موضوع التمويل الميسر "لكن من حيث المبدأ.. التوجه سليم." ووصف الرئيس السابق لبنك الكويت الدولي عبد الوهاب الوزان القرار الحكومي الاخير بالحكيم والايجابي معتبرا أنه يحسب لصالح الحكومة لانه يصب في اتجاه أن يكون التمويل من خلال البنوك وتحت رقابة البنك المركزي. وقال المحلل الاقتصادي المستقل جاسم السعدون ان اجتماع الحكومة وتوحيد رؤيتها بخصوص خطة التنمية هو أمر طيب لكن المشكلة تكمن في التفاصيل المتعلقة بالتمويل الميسر طويل الامد. وأعرب السعدون عن تخوفه من أن يتحول هذا "التمويل" في المستقبل الى "بنك" مبينا أن المشكلة عند ذلك لن تكون فقط في العدد المحدود من الافراد الذين سيديرون هذا البنك ولا حجم الاموال التي سيديرها وانما "الخوف الاكبر أن الشركات المدعومة سوف تطرد الشركات غير المدعومة حتى لو كانت الاخيرة هي الافضل." وأضاف أن الدعم الحكومي قد يكون في غير صالح الشركات التي تعمل وفقا لقوى السوق كما أنه سيخلق بيئة غير تنافسية. وحول امكانية ابداء البنوك لقدر أكبر من المرونة في عمليات التمويل خلال الفترة المقبلة قال الوزان ان البنوك "سيكون لديها استعداد كامل للقيام بهذه المهمة خصوصا اذا كانت هناك ضمانات." وأضاف الوزان أن البنوك الكويتية قامت وبنجاح بتمويل اعادة اعمار البلاد بعد التحرير في 1991 فكيف يتم طرح انشاء كيان جديد يخرج بعملية التمويل عن مؤسساتها المعروفة مبينا أن انشاء مثل هذا الكيان كان سيستغرق وقتا طويلا تكون معه خطة التنمية قد استنفذت وقتها المقرر دون احراز شيء. وأكد الحنيف أن المشكلة لا تكمن في قدرة البنوك على التمويل لان البنوك في وضع جيد وانما في قدرة الشركات على التنفيذ والالتزام بخطة التنمية التي تتضمن مشاريع تزيد كثيرا عما اعتادت هذه الشركات على تنفيذه والذي كان يتراوح بين مليار وملياري دينار سنويا. ويبلغ متوسط قيمة الاستثمارات السنوية في مشاريع الخطة 7.7 مليار دينار تقريبا تتوزع على قطاعات اقتصادية عدة منها النفط والغاز والكهرباء والماء والطرق والجسور وغيرها من مشاريع البنية التحتية بالاضافة الى مشاريع صحية وتعليمية واجتماعية. وقال الحنيف ان البنوك لا يمكنها أن تمتنع عن القيام بعمليات التمويل لكنها في الوقت نفسه لابد أن تحافظ على أموال المساهمين والمودعين مشيرا الى أن "عملية التمويل بدأت تتحرك بوتيرة أسرع في الاشهر الستة الاخيرة واذا توافرت الضمانات والسيولة فسيكون الامر أسرع بكثير." وقال السعدون ان البنوك قادرة بالفعل على تمويل مشاريع الخطة من حيث حجم التمويل لكن المشكلة أن تمويل هذه البنوك هو تمويل قصير الاجل بحكم طبيعة عملها وبالتالي فان المشكلة ستكمن في المدى الزمني للتمويل وما يتعلق به من مخاطر خصوصا أن هناك مشاريع قد تحتاج تمويلا يمتد لعشرين عاما أو أكثر. وأضاف أن الدعم الحكومي يجب أن ينصب على هذه النقطة من خلال ضمانات حكومية أو ودائع طويلة الامد توضع في هذه البنوك وتمكنها من منح التمويل اللازم لمدد طويلة دون قلق مبينا أن هذا الامر "مشروع ومقبول خصوصا في مشاريع الاسكان". وقال رئيس مجلس الادارة في بيت التمويل الكويتي بدر المخيزيم ان البنوك قادرة على تمويل مشاريع الخطة "وأحد أهداف البنوك هو جمع الودائع وتمويل الغير فكيف تتوقف عن هذا الامر.. نحن نتنافس على تمويل الشركات التي لديها القدرة والميزانيات الجيدة." (الدولار يساوي 0.2875 دينار كويتي)