لندن (رويترز) - عبر عمال أجانب في حقل للغاز الطبيعي بمنطقة صحراوية في الجزائر عن خشيتهم على سلامتهم الشخصية قبل أن يهاجم متشددون إسلاميون الموقع ويقتلوا العشرات منهم والآن يطالب الناجون وأهالي الضحايا شركة بي.بي المشاركة في تشغيل المنشأة بالتحقيق في إجراءاتها الأمنية قبل الحادث. وقتل أربعون عاملا كلهم أجانب إلا واحدا في إن أميناس في يناير كانون الثاني بعدما هاجم متشددون المنشأة وأخذوا رهائن أجانب وانتهى الأمر بمداهمة القوات الجزائرية للموقع. وقالت بي.بي وشتات أويل النرويجية الشريكتان في المشروع مع سوناطراك التابعة للحكومة الجزائرية إنه كان من المستحيل التنبؤ بهجوم بهذا المستوى. لكن أرملة أحد الضحايا البريطانيين قالت إن زوجها أبدى قلقه في رسالة إلكترونية قبل حوالي سبعة أسابيع من الهجوم المفاجئ وتحديدا يوم 16 يناير كانون الثاني حيث قال إن نزاعا عماليا بالموقع قوض الوضع الأمني وقد يؤدي إلى أعمال عنف خطيرة. وجرى ترحيل المتعاقد جاري بارلو بعد تصاعد حدة التوترات أثناء الإضراب العمالي الذي شهدته إن أميناس. وقالت أرملته لورين بارلو إنه عاد للعمل بعدما أكد له مديروه بالمشروع المشترك أن الوضع بات آمنا ليلقى حتفه بعد أسابيع وفي اليوم الذي أتم فيه 50 عاما خلال الحصار الذي قتل فيه أيضا أربعة عمال من بي.بي. وقال محامي عدد من الناجين وأسر ضحايا أغلبهم بريطانيون إن موكليه يريدون إجابات من شركة بي.بي بشأن تقصير أمني محتمل وإن البعض يدرس مقاضاتها على الإهمال والتقصير في توفير الرعاية الواجبة. ولم ترفع أي دعوى قضائية بعد. وفي رد بالبريد الإلكتروني على أسئلة لرويترز قالت بي.بي "لا نستطيع التعليق على إجراء قانوني لم يتخذ بعد. لكن الشركة ستدافع عن نفسها بقوة في مواجهة أي إجراءات من هذا القبيل." وخصصت الشركة بالفعل 42 مليار دولار لتغطية تكاليف التنظيف والغرامات والتعويضات عن انفجار وتسرب نفطي بحفار في خليج المكسيك. وتستأنف يوم الاثنين المقبل في الولاياتالمتحدة دعوى قضائية بحق الشركة في هذه الكارثة التي وقعت قبل ثلاثة أعوام. وستكون أي مطالبات بالتعويض عن هجوم إن أميناس أصغر من هذا المبلغ بكثير لكنها قد تضر بسمعة الشركة. وقالت الشركة المدرجة في بورصة لندن إنها لم تعلم بأي تهديد محدد لمشروع إن أميناس أو للمصالح البريطانية والغربية بالمنطقة قبل الهجوم. وأجرت شتات أويل تحقيقا في الحادث ونشرت نتائجه. لكن بي.بي قالت إنها لا تعتزم إجراء تحقيق "بسبب طبيعة الحادث ونظرا لأن الرد عليه كان بعملية عسكرية جزائرية فإن كثيرا من الأسئلة المطروحة لا تستطيع بي.بي الإجابة عليها" حسب رسالة للمتحدث باسم الشركة روبرت واين. وحققت الشرطة البريطانية في مقتل المواطنين البريطانيين نيابة عن محقق جنائي سيباشر بحث القضية طبقا لواين الذي قال إن شركته ستتعاون معه وتدرس نتائج التحقيق الرسمية لاستخلاص العبر. وتساءلت بارلو عن الإجراءات الأمنية وصناعة القرار لدى بي.بي قبل مقتل زوجها جاري داعية الشركة للاقتداء بما فعلته شتات أويل التي نشرت تقريرا عن تحقيقات رفيعة المستوى يوم 12 سبتمبر أيلول. وقالت لرويترز إن زوجها الذي كان متعاقدا وليس موظفا لدى بي.بي كان قلقا على سلامته العام الماضي حين نشبت توترات بسبب نزاع بين الشركة وسائقين جزائريين أتوا بذويهم إلى الموقع. وعبر جاري عن خوفه في رسالة إلكترونية إلى أخته يوم 30 نوفمبر تشرين الثاني بعد ترحيل عدد كبير من المغتربين. وكتب في رسالته التي شابتها كوميديا سوداء وتلتها البرلمانية البريطانية روزي كوبر في البرلمان يوم 12 يونيو حزيران "الوضع يتجه للخطر هنا. السائقون المحليون مضربون منذ ستة أشهر وأضربوا عن الطعام الآن. الموقع مصاب بالشلل بالفعل. لا يمكن الاستمرار على هذ النحو." وأضاف "الطوارق في المنطقة قالوا إذا توفي أي مضرب عن الطعام فسيقتلون 30 أجنبيا في إن أميناس. تم إجلاء معظم المغتربين من الموقع وعددنا الآن عشرة فقط. ربما يريدون قتلنا ثلاث مرات." وقال تقرير شتات أويل الذي أعده عاملون بالشركة وخبراء أمنيون منهم مدير سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إن الخلاف الذي دام طويلا بشأن العقود تصاعد في نوفمبر تشرين الثاني حين بدأ الإضراب عن الطعام. وعاد السائقون إلى عملهم إثر زيادة أجورهم وتمديد عقودهم في الشهر التالي لكن التقرير قال إن مديري المشروع المشترك شعروا بأنه اتفاق لن يستمر على الأرجح. وقالت بارلو إن زوجها غادر الموقع في بداية ديسمبر كانون الأول 2012 ولم يتوقع العودة نظرا لتوتر الأوضاع. وكان جاري بدأ البحث عن عمل جديد حين أبلغه مديروه بانتهاء الإضراب وعودة الهدوء فعاد لعمله. وقالت لرويترز "لقد وثق في كلامهم." كان جاري معينا على قوة شركة ايتا السويسرية التي تقدم خدمات الموارد البشرية لقطاع النفط ويحصل على أجره منها. لكن أرملته قالت إنه كان يعمل ويخضع لإدارة المشروع المشترك. وقالت بي.بي إنها لم تعلم برسالة جاري مسبقا وإنه ليس ثمة دليل على أن المشروع المشترك أو المساهمين علموا بها. وقال المتحدث باسم الشركة "لا دليل على أن بي.بي علمت بوجود علاقة بين إضراب السائقين والحادث." ولم يأت المهاجمون من داخل المنشأة وإنما من بين جماعات متشددة نظمت هجمات في أنحاء الصحراء الكبرى. وتقول الجزائر إنهم وصلوا لموقع إن أميناس عبر الحدود الليبية. لكن العمال المعينين محليا والذين فروا من الحصار قالوا لرويترز وقتها إن المسلحين تجولوا في الموقع مترامي الأطراف بثقة ودراية مما يطرح تساؤلات عما إذا كان أحد من الداخل ساعدهم. واعتقلت السلطات الجزائرية رجلا عمل بالموقع قالت مصادر أمنية جزائرية إنه قدم معلومات للمتشددين. وخلص تحقيق شتات أويل إلى أن الوضع الأمني في المنشأة لم يكن يدار بالكفاءة الكافية. وطالب اتحاد عمال نرويجي الرئيس التنفيذي للشركة هيلجي لوند بدراسة الاستقالة. لكن لوند قال إنه لا يفكر في هذا. وقالت بارلو التي سيمثلها في التحقيق مكتب المحاماة البريطاني سليتر اند جوردن إنها لا تنوي مقاضاة الشركة من أجل الحصول على تعويض. لكنها تود معرفة حقيقة وفاة زوجها وما إذا كانت إجراءات إضافية كان يجب اتخاذها لحماية العاملين. وقالت "نحتاج معرفة من اتخذ قرار إرسالهم مجددا وكيف اتخذ وعلى أي معايير استند .. أعلم أنه لم يكن بمقدورهم منع الإرهابيين من القدوم للموقع. لكن هل كان يجب اتخاذ أي إجراء لتخفيف روع ما حدث؟" وقال تحقيق شتات أويل إنه رغم عدم قدرة أطراف المشروع المشترك على منع الهجوم فإن الشركة النرويجية على الأقل كانت تدرك تزايد المخاطر. وكشف أن مخاوف شتات أويل بلغت حد طلب تقرير استشاري عن المخاطر أعد في يوليو حزيران 2012 قال إن قوات الأمن الجزائرية تحت ضغوط متزايدة وإنه يجب متابعة قدرتها على إدارة التهديدات عن كثب. واستشهدت الشركة بعبارة في التقرير تقول "ملامح الوضع السياسي الإقليمي والأمني تشير بوضوح إلى تهديد جاد بحدوث هجوم إرهابي استثنائي عالي الأثر في المناطق المنتجة للنفط." وقال مايكل دوهرتي مراقب الجودة الذي نجا من الحصار في فيلم وثائقي على القناة الرابعة البريطانية إنه ساورته شكوك بشأن الوضع الأمني. وقال "لم أكد أصدق مدى عجز المنظومة مقارنة بمواقع أخرى عملت بها في أنحاء العالم." وأضاف "كنا نعتبر هدفا شديد الانكشاف وسهل المنال." ولم تستطع رويترز الوصول إلى دوهرتي للحصول على تعليق. وثار جدل بشأن الجهة المسؤولة عن سلامة المتعاقدين أمثال بارلو الذين لم ينتموا إلى بي.بي أو شتات أويل مباشرة وقدموا عبر شركات أخرى. ويعمل في موقع إن أميناس نحو 700 شخص أغلبهم جزائريون. وفي وقت الحصار كان هناك نحو 20 موظفا من بي.بي يعملون بالموقع و17 عاملا من شتات أويل وعشرات المتعاقدين الأجانب. وكان بين القتلى ستة مواطنين بريطانيين ومقيم في بريطانيا. وقال تريفور سترلنج المحامي بمكتب سليتر اند جوردن الذي يممثل 37 من الناجين وأقارب الضحايا إن العمال البريطانيين اطمأنوا لكون بي.بي طرفا بالمشروع. وقال "ما كان موكلونا ليذهبوا للعمل مع سوناطراك إلا في وجود بي.بي. شعروا بالأمان لأنها بي.بي." وأضاف أن بي.بي لم تلتق المتعاقدين الناجين أو عائلات القتلى منهم لتكوين صورة أفضل عما حدث ولتجنب تكراره. وقال المتحدث باسم الشركة إنها أعطت إيضاحات لموظفيها لكن المتعاقدين يعملون عبر المشروع المشترك وهو كيان منفصل. وقالت بي.بي إنها ستتعاون مع المحقق لكن التحقيق لم يبدأ رغم مرور أكثر من ستة أشهر. وفي جلسة استماع أولية في يوليو تموز وجدت المحققة بينلوبي شوفيلد المعلومات المتوفرة غير كافية. وقال مكتب المحققة إن مستوى تعقيد القضية كونها تتعلق بحادثة كبرى في بلد أجنبي وشركات في الجزائر والنرويج وبريطانيا كلف الشرطة البريطانية وقتا لجمع المعلومات. وتحدد موعد لجلسة استماع مبدئية أخرى في نوفمبر تشرين الثاني على أن يبدأ التحقيق في العام المقبل على الأرجح. ولن يشير التحقيق بأصابع الاتهام لأحد لكن مكتب سليتر اند جوردن يقول إنه قد يوفر مزيدا من المعلومات ويمهد لإجراء قانوني. وقال جيف شارنوك من خدمة التحقيقات في أسباب الوفيات في وست ساسكس "مهمة المحقق الإجابة على أربعة أسئلة: من ماتوا وأين لقوا حتفهم ومتى وكيف .. ليس من المهمة إلقاء المسؤولية على أحد." (شارك في التغطية أندرو كالوس في لندن ولامين شيخي في الجزائر - إعداد أحمد لطفي للنشرة العربية - تحرير أحمد إلهامي)