باريس (رويترز) - كان يوما دافئا على الحدود التركية السورية. وكان سفير فرنسا لدى سوريا الذي استدعته في الآونة الأخيرة من دمشق متخفيا هو ونائبه وضابط أمن. وبعد التأكد من أن المنطقة آمنة يخرج الدبلوماسي الفرنسي كمية من الاظرف البنية اللون محشوة بالاف الدولارات. كان المتلقون هم مقاتلون من المعارضة يعملون في مناطق لم تعد تحت سيطرة الرئيس السوري بشار الاسد. هذا المشهد الذي حدث في سبتمبر ايلول من العام الماضي ورواه مسؤولون فرنسيون يصلح لان يكون مشهدا في فيلم جاسوسية. والآن تستعيد قوات الاسد فيما يبدو اليد العليا على ميدان المعركة. ويسبب التغير في ميزان القوى انزعاجا في العواصمالغربية والعربية. وبعد ان طالبوا الاسد بالتنحي لا يوجد أحد بين اعدائه مستعد للمغامرة بتقديم اسلحة مضادة للطائرات أو الدبابات يمكن ان تغير التوازن. ومع انقسام المعارضة يخشى الغرب من امكانية سقوط الاسلحة في اليد الخطأ خاصة المتشددين المدعومين من القاعدة وجبهة النصرة الإسلامية ويريد "ضمانات" من مقاتلي المعارضة قبل تقديم اسلحة. ولانه من غير المرجح تقديم ضمانات مؤكدة ونظرا لنفاد الوقت فإن الطريقة التي طورت بها فرنسا شبكاتها في سوريا منذ بدء الانتفاضة قبل أكثر من عامين تعطي فكرة عن الكيفية التي ستقيم بها القوى الغربية المساعدات العسكرية في المستقبل. وقال دبلوماسي غربي "ليس من الممكن القول اننا واثقون بنسبة مئة في المئة الى أين تذهب الاسلحة." وأضاف "لكن مخاطر وجود ثغرات أقل من مخاطر ان نقف مكتوفي الايدي." وتأييد فرنسا النشط في مستعمرتها السابقة يرجع جزئيا الى الرغبة في تأمين مصالحها التجارية. وهي تخشى من تقلص فرص توحيد المعارضة وكلما سادت الانقسامات لفترة أطول كلما طفت على السطح العناصر الاسلامية والتابعة للقاعدة المعارضة للغرب والتي تشارك الان بقوة في قتال قوات الاسد. ومن الناحية النظرية يمكن لفرنسا وبريطانيا تسليح المعارضة بعد ان بذلت الدولتان مساع لرفع الحظر على صادرات الاسلحة الأوروبية. وتجري الولاياتالمتحدة مراجعة لموقفها. وتقدم السعودية وقطر وتركيا بالفعل أسلحة خفيفة. ومنذ بداية الانتفاضة تقريبا حاولت باريس تطوير شبكات داخلية وكسب ثقة ناشطي المعارضة. وقبل استدعاء سفيرها من دمشق في مارس اذار 2012 كانت السفارة تقوم بتهريب أدوية الى مستشفيات مؤقتة وأغذية إلى المحتجين. وبعد ستة اشهر اعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس خطة لمساعدة ما سماه "المناطق المحررة" في شمال سوريا. وكان الهدف بصفة اساسية هو الوصول الى المجتمعات المحلية التي لم تعد تحت سيطرة الاسد ومساعدتها في تنشيط الادارة المحلية وعودة الاحتياجات الاساسية مثل المخابز. وتمسكت باريس بنظام صارم يتتبع كيفية انفاق الاموال التي تقدمها. ولزم تقديم ايصالات وصور ما أمكن ذلك ولقطات مصورة لكل دولار ينفق. كما اعتمدت على مخبرين كانوا يبعثون بتقارير. وكان لمعظم "المجالس الثورية" فروع مدنية وعسكرية. وكانت الاجنحة العسكرية بمثابة اجنة للجيش السوري الحر المعارض. ومكن ذلك باريس من رسم خريطة للمقاتلين. ويحكي مسؤول فرنسي قائلا "لم تكن مشورات فنية. كانت في المقام الاول تطويرا لروابط اتصال بين المعارضة السياسية والمنشقين ومقاتلي المعارضة حتى يمكنهم التحدث الى بعضهم البعض والموافقة على العمل معا." وكان موضوع تقديم مدفعية لحماية تلك المناطق موضع بحث فعلي وان كانت العواقب اعتبرت بالغة التعقيد. وشعرت باريس انه الى ان يتم تشكيل حكومة معارضة مشروعة سيكون من غير الممكن تقديم دعم عسكري. وكان هذا من الاسباب التي جعلت الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند أول من يعترف بالائتلاف الوطني السوري المعارض في نوفمبر تشرين الثاني. فالائتلاف سيكون له جناح عسكري يمكن لباريس ان تتعامل معه. واختفت الاظرف البنية اللون. وعلى الفور حولت فرنسا المساعدات التي تقدمها الى وحدة تنسيق المساعدات التابعة للائتلاف التي تديرها نائبة الرئيس سهير الاتاسي. وبالتوازي مع ذلك حولت فرنسا ايضا مساعدات طبية وانسانية بدرجة كبيرة الى الاتحاد السوري لمنظمات الاغاثة الطبية وهو رابطة غير حكومية مقرها باريس تضم 14 منظمة. وفرنسا هي أكبر مانح للمساعدات. والقوافل الطبية - واحدثها شحنة زنتها 20 طنا من المقرر ان تصل تركيا في غضون الاسابيع القليلة القادمة - يتم ارسالها الى مستشفى أقيم بأموال فرنسية في منطقة قريبة من الحدود التركية. ومن هناك توزع السلع في انحاء سوريا ومن بينها بعض المناطق التي شهدت قتالا شرسا وآخرها منطقة القصير حيث هزمت قوات الاسد ومقاتلو حزب الله قوات المعارضة. وبينما يقول الاتحاد السوري لمنظمات الاغاثة الطبية انه لا ينحاز الى أي طرف فان لباريس رأيا في المكان الذي ترسل اليه تلك المساعدات. وهذا يمكنها من ان اجراء تحليل تفصيلي للتطورات على الارض. وقال عبيدة المفتي المسؤول بالاتحاد "أكبر تحد هو ان الدول الاخرى لا تريد ان تقدم اموالا الى منظمة غير حكومية ليست معروفة." وأضاف "الفرنسيون رسميون بدرجة كبيرة. نقدم مشروعنا والوثائق الخاصة به ورغم انها أدوية فانهم يطالبون بشروط تتبع شديدة القسوة." ويصر الفرنسيون على ان هذه الشبكات الانسانية والطبية والمدنية تم اختبارها "وتقدم خرائط" للمكان الذي يمكن ان تذهب اليه المساعدات في المستقبل. وقال دبلوماسي فرنسي "يحتاج المرء الى الحصول على معلومات دقيقة عن هذه الجماعات المجزأة. لدينا ميزة صغيرة لاننا نجري منذ فترة طويل اتصالات مباشرة في المناطق المحررة وسلمنا بالفعل مواد." كان وسيطهم الرئيسي خلال الشهور الستة الاخيرة هو قائد الجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس الذي ينظر اليه المسؤولون الفرنسيون باحترام. وارسل من خلاله مساعدات غير فتاكة تراوحت بين سترات مقاومة للرصاص واجهزة رؤية ليلية ومعدات اتصالات. لكن هناك شكوك حول مدى مصداقيته. وبدون أموال وذخائر واسلحة فانه يكافح لتأكيد سلطته على مجموعات مختلفة من المقاتلين وصفه بعضها بأنه يشبه "مدرس المدرسة". ويقول مسؤولون ان حل هذا الامر يحتاج الى شيئين: - الاول هو ان الدول التي تقدم اسلحة للمعارضين يجب ان تنسق فيما بينها بدرجة أفضل وتتأكد من انها تعمل فقط من خلال ادريس. - الثاني هو ان الدول الغربية التي بقيت حذرة في تقديم اسلحة يجب ان توسع مجال مساعداتها إما من حيث المعدات أو "المساعدة الفنية" مثل تكتيكات المعارك أو التدريب على الاسلحة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية فيليب لاليو "اختبرنا عددا معينا من عناصر الجيش السوري الحر." وأضاف "بنينا ثقة وهذا هو نفس النوع من الضمانات الذي نحبه بشأن الاسلحة." وفي نهاية الامر وحتى لا تسقط الاسلحة في اليد الخطأ يجب ايجاد سبل لتتبعها. وقال فابيوس الشهر الماضي ان باريس تدرس سبل مراقبة وتحييد الاسلحة في ظل أحوال معينة. ووفقا لاحد المسؤولين فان الخيارات تشمل برمجة استخدامها لفترة زمنية محددة والحد من الذخيرة ووضع نظم عالمية لتحديد مواقعها وأيضا ابطال تشغيلها بالتحكم عن بعد. وقال جيريمي بيني محرر شؤون الشرق الاوسط وافريقيا بنشرة جينز العسكرية الاسبوعية "أتخيل ان يحدث هذا فقط مع الاسلحة الاكثر تقدما مثل نظم الدفاع الجوي المحمولة التي تطلق من على الكتف." وأضاف "من الممكن فنيا ان تحصل على شيء لنزع اسلحتهم لكن المهم هو ما هي التكاليف وما هو الوقت الذي ستحتاج اليه." (إعداد رفقي فخري للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)