تعتبر طاجيكستان نقطة عبور رئيسية لأحد أكثر مسارات المخدرات ربحية في العالم، وتتدفق المخدرات من أفغانستان إلى داخل الدولة في طريقها إلى روسيا وغرب أوروبا. ما يجنيه الطاجيك من وراء تهريب المخدرات يجعل من الصعب عليهم أن يقاوموا التورط في مثل هذا العمل غير القانوني، فهم يكدحون للحصول على العيش من هذا الشريط الحدودي الطويل والمفتوح مع أفغانستان. وفي العديد من القرى في طاجيكستان، يستخدم القرويون أحيانا للمساعدة في تهريب المخدرات التي هي في طريقها إلى الأسواق الربحية. وتدرك إحدى السيدات والتي تحمل الاسم المستعار شادية ، وهي سيدة قابلتها في منطقة نائية قريبا من الحدود الأفغانية، تدرك جيدا المخاطر التي يقبل أهل القرية التعرض لها عندما يقبلون بالعمل في هذا المجال. وقالت: كان زوجي في حاجة لشراء بعض الدقيق، لذا فقد وافق على حمل بعض المخدرات وتهريبها. إلا أن الشرطة ألقت القبض عليه مع أخويه، وهم جميعا في السجن الآن. وعلى الرغم من أنها لا تجد عملا وليس لها أي مصدر دخل، إلا أنها ترعى أولادها بنفسها، فمن المستحيل في تلك المنطقة الريفية النائية التي تتسم بالفقر العثور على وظيفة. وقد ساعدها جيرانها في الحصول على غرفة صغيرة مظلمة، كما تعتمد على مساعدة والديها المسنين. وعلى الرغم من أن القرية التي تعيش فيها شادية تؤوي نحو 60 أسرة، فإن العديد منهم لديهم أقارب محكوم عليهم بالسجن على خلفية الإتجار بالمخدرات. يذكر أن نحو 90 في المئة من الأراضي الطاجيكية ذات طبيعة جبلية وتندر بها الأراضي الزراعية، وهو ما يدفع عشرات التجمعات إلى الانتشار على الشريط الحدودي الفاصل بين طاجيكستان وأفغانستان على نحو يفرض عزلة عن بقية أرجاء البلاد في معظم السنة. إلا أن منتجي المخدرات الأفغان لا يجدون صعوبة في الوصول إلى الأراضي الطاجيكية حيث يعبرون الحدود سيرا على الأقدام، ويبحثون عن القرويين الراغبين تحمل مخاطر التهريب عبر طاجكستان. وتعتبر الحوافز المالية السخية السبب الدافع إلى قبول هؤلاء الناس في هذه المنطقة الفقيرة لممارسة مثل هذا العمل دون النظر لأية اعتبارات. وتتذكر شادية قائلة: رأيت مهربين أفغان مسلحين في إحدى القرى القريبة، وانتابتي حالة من الرعب حال اعتقادي بإمكانية عبور أحدهم الحدود بالمخدرات والأسلحة والتجول في أرجاء قرانا. يذكر أن جنوب طاجيكستان يقع متاخما للمناطق الأفغانية التي تعج بالفوضى وانعدام الاستقرار، حيث يحكمها قادة الحروب ويتحكم كبار تجار المخدرات في الطرق غير الشرعية المؤدية إلى منطقة آسيا الوسطى وما يتجاوزها. ومنذ أن انسحب حرس الحدود الروس من الحدود الطاجيكية الأفغانية عام 2005، اضطلعت السلطات الطاجيكية بمفردها بمهام حراسة المنطقة الممتدة بطول يبلغ نحو 1300 كيلومتر. وقال خوشنود رحمة اللهييف المتحدث باسم قوات الحدود الطاجيكية في منطقة شوراباد جنوبي الحدود إن عبور الحدود إلى الأراضي الطاجيكية مهمة سهلة للغاية. وأضاف: كل ما عليك هو أن تعبر النهر داخل نفق داخلي. وتضطلع الدوريات الحدودية يوميا بمهام البحث عن مهربين، وهي مهمة شاقة في أراض تكثر فيها الأماكن الخفية داخل الأحراش وتحت الأشجار الصغيرة. إلا أن ذلك النوع من التجارة جرّ المنطقة إلى موجة من العنف الإجرامي. وكان مؤمن، وهو مزارع حديث السن من قرية شوراباد، أحد الرعاة الذين اختطفهم المهربون خلال الشهور القليلة الماضية. وقال مؤمن: لقد كان المهربون غاضبين من تحريز الشرطة الطاجيكية لمخدراتهم، لذا فقد اختطفونا وسطوا على ماشيتنا. ووقع تبادل لإطلاق النار بين المهربين الأفغان وقوات الشرطة. وتبقى الأسئلة قائمة حول ما إذا كانت أدوات الدولة لتطبيق القانون مستعدة لاستهداف من هم على صلة وثيقة بمن يعتقد أنهم على رأس سلسلة التهريب. وعلق كريستر برانيرود الذي كان يعمل العام الماضي لدى مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات في طاجيكستان قائلا: يحتمي هؤلاء بالفساد الذي نواجهه في هذه الدولة. فكلما كانت المناصب أعلى، كان من الصعب استهداف أولئك ممن يعتبرون مسؤولين بشكل كبير عن رواج تلك الأنشطة غير القانونية. إلا أن المسؤولين مثل روستام نازاروف، رئيس هيئة مكافحة المخدرات في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، يصرون على أنهم يعملون على مواجهة المشكلة. وقال نازاروف: لقد استطعنا في العام الماضي تحريز خمسة أطنان من المخدرات الأفغانية. وتابع متسائلا: لو كنا نقبض على أعداد قليلة من المهربين كما يقال، فمن أين أتت الأطنان الخمسة تلك؟ إلا أنه وطبقا لمكتب الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، فإن الكميات التي جرت مصادرتها تعتبر جزءا بسيطا من مجموع المخدرات التي تصل إلى روسيا كل عام عن طريق طاجيكستان. ويعترف نازاروف أن الوضع صعب التغيير ما لم تتخذ الإجراءات لوقف إنتاج المخدرات في أفغانستان. ومنذ أن دخلت طاجيكستان في حرب أهلية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وأصبحت حدودها من غير حماية، أصبحت ممرا رئيسيا للمخدرات. وقد أخبرني أحد المهربين السابقين في دوشانبه أنه بدأ بتهريب المخدرات إلى روسيا خلال الحرب متفاخرا أن ذلك ساعده على شراء الشقق والسيارات الفارهة من إيرادات ذلك العمل. وتذكر ذلك المهرب قائلا: كانت هناك العديد من السيدات اللاتي كنّ في حاجة شديدة وكنّ يرغبن في تهريب المخدرات، كما كنت أعرف بعض المسؤولين ممن سهلوا للمهربين التابعين لي أن يصلوا إلى وجهاتهم في روسيا. وفي النهاية، ألقي القبض عليه وأودع السجن ليخسر كل شيء، وهو الآن يقترض إحدى السيارات ليعمل عليها كسائق أجرة. وأضاف قائلا: إن الأشخاص العاديين مثلي لم يعد يمكنهم القيام بتلك الأعمال؛ حيث إن السلطات ستعتقلهم. لقد أصبح هذا النوع من الأعمال من اختصاص الكبار. واعترف أنه سيعود إلى ذلك النوع من الأعمال إذا سنحت الفرصة. وتابع: انظر حولك إلى تلك المنازل والسيارات الفارهة، هل تعتقد أن أصحابها قد حصلوا عليها بطرق محترمة. فالوظائف ذات الرواتب الكبيرة ليست كثيرة في طاجيكستان. ففي دولة يحصل الناس فيها على مرتبات شهرية تبلغ 17 دولار، قد يكلف رغيف الخبز الواحد دولارا ونصف الدولار في أحد أسواق دوشنبه. إلا أن ثمة مخدرات في أفغانستان ومستهلكون في الغرب. ومع غياب الاقتصاد الفعال في الدولة، فإنه من الصعب أن يجد إغراء تجارة الإفيون والمشاركة فيها كسادا بين أوساط الطاجيك.