هبط الليل على جزيرة لا غوميرا ، إحدى جزر الكناري الصغيرة. من على رأس التلة استطيع رؤية بضعة منازل، مبعثرة في البعيد. على يميني صف من الأشجارالسوداء، لتذكرني بالنيران التي اجتاحت هذه الجزيرة المقابلة للساحل المغربي خلال الصيف الماضي. أغلق عيني لأتفادى انشغالي بالنظر إلى الطبيعة، واشحذ أذني. أحاول أن أتبين، وسط ضجيج السيارات وصدى الريح، صفيرا ، هو لغة خاصة كان يستعملها السكان المحليون، وتعود الآن تدريجيا إلى الحياة. ويناسب نظام التواصل بالصفير هذا تضاريس المدينة، فبإمكانه الوصول الى مسافة 3.2 كيلومتر بدون جهد كبير، وهو ابعد مما يمكن أن يصل إليه الصراخ، وبجهد اقل. ليست هناك معلومات مؤكدة عن أصل هذا الصفير، ولكن المعروف أنه حين وصل الأوروبيون إلى الجزيرة كان سكانها، وهم من أصول شمال إفريقية، يتواصلون بالصفير الذي يحاكي لغة السكان الأصليين، ثم تم تعديله ليحاكي اللغة الإسبانية. وتبدو النظرية الأكثر احتمالا أن نظام الصفير جاء مع المستوطنين القادمين من إفريقيا. ويتذكر بعض السكان المحليين أن استخدام لغة الصفير كان شائعا في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. ويقول أحد المعمرين في سالف الأيام حين كانت تندلع النار في الجبال، وهو ما يحدث بشكل متكرر في الجزيرة، كان الحرس المدني يأتي على إثر ذلك لاعتقالنا، فكنا نطلق صفيرا لا يفهمه الحرس المدني لتحذير الآخرين . وأوضح أن عمال البلدية يخمدون النيران مقابل أجر، لكن لو قام بذلك السكان المحليون فلن يتقاضوا أجرا. وقال ان تعلم لغة الصفير كان ضرورة، لأن عدم معرفتها كان يتطلب السير لمسافات طويلة. وبدأت لغة الصفير بالاندثار في خمسينيات القرن الماضي حين أجبرت الظروف الاقتصادية من كانوا يتقنون تلك اللغة على الرحيل إلى جزيرة تنيريف المجاورة وفنزويلا. وساهم في اندثار اللغة ايضا شق الطرق، واختراع الهواتف الخلوية في وقت لاحق. وبحلول عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لم يكن هناك إلا عدد قليل ممن يتقنون لغة الصفير. وأصبحت اللغة الآن تستخدم في عروض سياحية في بعض المطاعم في الجزيرة. ويقول عالم الآثار هيرنانديز ماريرو إن الحفاظ على هذه اللغة مهم جدا لانه يعبر عن هوية سكان الجزيرة. ولا تقتصر لغة الصفير على لغة غوميرا، فهناك لغة مشابهة يستخدمها سكان جزيرة إيفيا اليونانية وفي بلدة كوسكوي في تركيا، وفي بلدة في فرنسا، لكن اللغة المستخدمة في جزيرة غوميرا هي الوحيدة التي حظيت بدراسة عميقة ويتقنها أكبر عدد من السكان. وهناك مخاوف من أن ظروف التقشف الاقتصادي وتقليص النفقات في إسبانيا قد يؤثر على تعليم لغة الصفير في بعض المدارس الخاصة.