يسود فصيلان النخبة السياسية في الصين، لكن بمجرد اماطة اللثام عن الزعيم الصيني الجديد، يبرز سؤال يتعلق بمن تكون له اليد العليا، وكيف يتسنى للفصائل المتنافسة تحقيق توازن في القوة؟ وكجزء من سلسلة التحديات التي تواجه قادة الصين الجدد، يقول المحلل السياسي تشينغ لي ان التنافسية البارزة هي العنصر المحدد لمستقبل البلاد. وفيما يتعلق بتسليم السلطة السياسية المرتقب في الصين، ربما لا يستطيع احد ان يؤكد بشكل لا يقبل الشك ما اذا كان التوازن الفصائلي للقوة سيستمر. تواجه الصين حاليا اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق الى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الانقسام في محيط دائرة الرأي العام بشأن المسار السياسي الذي ستنهجه الدولة والفساد الرسمي المستشري الذي أبرزته فضيحة بو تشي لاي. وقد تمثل اي علامات اخرى عن حدوث شقاق او اضطراب النخبة بشأن التوازن الفصائلي للقوة داخل محيط القيادة العليا ضررا الى حد كبير للقيادة المستمرة للحزب الشيوعي. وهذا هو ما يكسب تشكيل اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، أعلى سلطة تشريعية في الصين، أهمية كبرى. وماذا ستكون عواقب تناحر الفصائل داخل هذه اللجنة؟ هل سيستمر النظام القائم للقيادة المجمعة في الصين، أم هي في سبيلها نحو الاخفاق؟ تعد الصين دولة احادية الحزب يحتكر فيها الحزب الشيوعي الصيني السلطة، غير ان قيادة الحزب ليست مجموعة متناغمة التفاهم، فاعضاؤها لا يتقاسمون جميعا نفس الايدولوجيا او الرابط السياسي او الخلفية الاقتصادية الاجتماعية او حتى الافضلية السياسية. غير انه في واقع الامر يتنافس حاليا الفصيلان السياسيان الاساسيان او الائتلاف في محيط قيادة الحزب الشيوعي الصيني من اجل السلطة وبسط النفوذ او السيطرة على المبادرات السياسية. وقد أدى هذا التشعب في سياسة الحزب الواحد في الصيني الى شئ اشبه بآلية للضوابط لعملية اتخاذ القرار. هذه الالية بالطبع ليست نوعا من النظام المؤسسي للضوابط العاملة في محيط الافرع التنفيذية والتشريعية والقضائية داخل النظام الديمقراطي. غير ان هذا الهيكل الجديد – الذي يشير احيانا الى الصين بكونها حزب واحد وائتلافين – لا يمثل ابتعادا رئيسيا عن نموذج سيطرة رجل قوي والذي كان خصيصة سياسية في عصري ماو و دينغ. وتعد احد الجماعتين داخل الحزب في الصين ائتلافا شعبويا بقيادة الرئيس الصيني هو جين تاو ورئيس الوزراء ون جيا باو، فيما يعد الاخر ائتلافا نخبويا بزغ في عصر جيانغ تسه مين وبقيادة جيانغ ويخضع حاليا لقيادة وو بانغ قوا، رئيس الجهاز التشريعي الوطني، و جيا تشينغ لين، رئيس الجهاز الاستشاري السياسي الوطني. واصبح هؤلاء الافراد الاربعة – هو، وو، وين، جيا، حاليا ابرز قادة في الصين. وهذان المعسكران السياسيان يتقاسمان مقاعد مؤسسات القيادة البارزة بطريقة اقرب من التوازن الامثل. ويمثل شي جين بينع ولي تشي شيانغ، المرتقب توليهما اعلى منصبين في القيادة الصينية خلال مؤتمر الحزب عام 2012، احد هذين الائتلافين. كما يمثل الائتلافان مجموعات تأييد تختلف من الناحية الاقتصادية الاجتماعية والجغرافية. فعلى سبيل المثال يعد معظم القادة في الائتلاف من النخبويين، وهم قادة ينحدرون من اسر الثوار القدامى او كبار المسؤولين. وبدأت هذه النخبوية مهامها العملية في المدن الساحلية المتقدمة اقتصاديا. وهذا الائتلاف النخبوي يمثل عادة مصالح منظمي الاعمال الصينيين. وعلى النقيض تنحدر معظم الشخصيات البارزة في الائتلاف الشعبوي، على سييل المثال، من اسر اقل من حيث الامتيازات. فهم يميلون الى تجميع تجربة القيادة لديهم في المقاطعات الحبيسة المتخلفة. ويختلف قادة الفصيلين المتنافسين في الخبرات والتجارب واوراق الاعتماد. انهم يتفهمون الحاجة الى التسويات وضرورة ابرام اتفاقيات من اجل التعايش لاسيما في اوقات الازمات. كانت ابرزها فضيحة بو تشي لاي، وهو شخصية بارزة تنتمي للنخبوية، اما القضية الاخرى فتتعلق بلينغ جي هوا، رئيس الاركان السابق وكان حتى فترة حديثة نجما ساطعا في فصيل توانباي. ويشكل التوتر الفصائلي حاليا ميزة لسياسات النخبة في الصين. فالمحللون خارج الصين لابد ان يكون لديهم فهم متطور للسياسات الفصائلية في الصين، حيث يتعلق احدها بادراك عدم انخراط القادة الصينيين في نزاع فصائلي. بل هم في الواقع، يميلون في اغلب المناسبات وفي قضايا عديدة الى التعاون. فهناك حاليا حافز هائل بين جميع القادة البارزين، بغض النظر عن الفصيل، تجاه الاتحاد تحت راية زعيم الحزب الجديد شي جين بينغ لاظهار تماسك النخبة والتضامن السياسي. وعلى النقيض يعتبر بقاء توازن القوة الحالي فاعلا في مصلحة كلا الفصيلين، كما ينبغي ان يأخذ توازن القوة الشامل في الاعتبار تشكيل المكتب السياسي واللجنة العسكرية المركزية، سواء استقال هو جينتاو ام لا من رئاسة اللجنة العسكرية القوية في مؤتمر الحزب. واذا لم يبق التوازن الفصائلي قائما، فان الفصيل المنهزم قد يستخدم على الارجح موارده السياسية والمؤسسات الاقتصادية الاجتماعية الداعمة لتحديد شرعية النظام السياسي الذي بدوره يهدد استقرار البلد في العموم. حتى وان ظل توازن القوة الراهن، ستبقى الثنائية الحزبية الناشئة في الصين تواجه خطر الاخفاق. كما ان ابرام الاتفاقيات وتقاسم السلطة والتسوية السياسية ليست دوما بالامر اليسير. فحقيقة وجود مرشحين طموحين على نحو اكبر من المقاعد المتاحة ربما يهئ بطبيعة الحال شعورا بفائزين وخاسرين. ويثار جدل بشأن التعيينات الشخصية، لاسيما عندما يتعلق الامر بعضوية المكتب السياسي واللجنة الدائمة السياسية، حيث تصبح مثار نزاع وتجعل العراك الفصائلي خارج نطاق السيطرة. اضافة الى ذلك قد يثبت تعارض المصالح والنزاعات القائمة على السياسات – من بينها توزيع الموارد والاصلاحات المالية واصلاحات الريف واصلاح الرعاية الاجتماعية والصحة العامة ومبادرات الاسكان الميسور في المدن – هذا الجدل المحتدم بشأن احتمال ان تواجه القيادة الجديدة صعوبات متزايدة لبناء نوع التوافق اللازم للحكم على نحو فعال. وهناك انتقادات سواء داخل الصين أو خارجها مفادها أن الهيكل السياسي الجديد يميل إلى جعل عملية صنع القرار أطول واكثر تعقيدا وهو ما يفضي في الغالب الى مأزق. كما اثبت كبار الزعماء، ابرزهما الرئيس هو ورئيس الوزراء وين، احيانا عجزهما عن تفعيل مبادرات او قرارات سياسية نتيجة مقاومة من جانب اعضاء اللجنة الدائمة. ويخشى النقاد من ان يواجه الرئيس الصيني القادم شي جين بينغ ورئيس الوزراء لي تشي شيانغ عقبات اشد تعترض سبيلهما نتيجة تنافس النظراء وزيادة التعثر المؤسسي. يستطيع المرء الحديث عن عدم جدوى ورغبة الصين للعودة الى عصر سياسات الرجل الواحد القوي. فاذا خاضت الصين حربا او واجهت اضطرابا داخليا طويل الاجل قد تظهر بيئة بها زعيم قوي – ربما يتسم بالانانية والتعصب الوطني. وبالطبع ينبغي ألا يكون الخيار بين قيادة جماعية غير فعالة من ناحية وبين دكتاتور خطير من ناحية اخرى. ان تجربة الصين في حزب واحد وائتلافين ربما، على الرغم من حدودها، تتغلب تدريجيا على عجز النظام، وبالتالي تمهد السبيل لتحول منظم لديمقراطية باسلوب صيني. وخلال مؤتمر الحزب هذا الاسبوع يجب ان تقف القيادة على طريق يفضي الى ضمان توافر قوة ادارية قوية وسلطة سياسية لشي جين بينغ، الحيلولة دون تدخل كبار الزعماء المتقاعدين (أي جيانغ و هو) في عملية صنع القرار. فهما كان قدر النجاح او الاخفاق، فان القيادة الصينية المجمعة وديناميكيات الفصائل سيكون لها تأثير بالغ على كيفية ادارة اكثر بلاد العالم شعبوية خلال السنوات المقبلة.