(كاتب هذا المقال هو رئيس تحرير موقع أصوات مصرية الذي تديره مؤسسة تومسون رويترز والآراء الواردة في المقال تعبر عن آرائه الشخصية) من سيف الدين حمدان القاهرة (رويترز) - معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل منذ العام 1979 أفضت إلى قيام علاقات دبلوماسية وتجارية بين البلدين.. لكنها ووجهت بكثير من الانتقاد على المستويات الشعبية وفي أوساط المثقفين والساسة على المستوى المحلي المصري. بل إن الحالة بين البلدين باتت تعرف إعلاميا باسم "السلام البارد". وحسني مبارك نفسه لم يذهب إلى إسرائيل أثناء حكمه سوى مرة واحدة وفي ظل تكتم شديد لتقديم العزاء بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين عام 1995. وبعد وصول قيادي من جماعة الإخوان المسلمين إلى مقعد رأس السلطة في مصر هل يتبنى مقولة أن للساسة في سدة الحكم حسابات مختلفة عن الساسة في المواقع الأخرى؟ الرئيس محمد مرسي تولى منصبه في 24 يونيو الماضي وأثبت في المرة تلو الأخرى أنه ليس رئيسا ضعيفا وأنه قادر على اتخاذ قرارات لم يكن المراقبون يتخيلون أن بمقدوره اتخاذها وأهمها الإطاحة برؤوس المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتجريده من سلطاته. رد الفعل على فوز مرسي في إسرائيل كان مترويا وبروتوكوليا. فعلى الرغم من أن مرسي شارك في وقت من الأوقات في تأسيس اللجنة الشعبية المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني وكان عضوا في لجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية فقد بادر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس بتوجيه رسالة تهنئة له. وفي الرسالة أعرب بيريس عن أمله في "استمرار التعاون معي استنادا الى معاهدات السلام الموقعة بيننا قبل أكثر من ثلاثة عقود والتي التزمنا بالحفاظ عليها وتطويرها من أجل الاجيال القادمة من الشعبين". وبعدها نسبت وكالة رويترز إلى مرسي قوله في رسالة إلى بيريس قوله "أتطلع إلى بذل أقصى جهودنا لإعادة عملية السلام في الشرق الأوسط إلى مسارها الصحيح من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لكافة شعوب المنطقة وبينها الشعب الإسرائيلي." ولكن ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية نفى تلقي الرئيس محمد مرسي رسالة تهنئة من الرئيس الإسرائيلي كما نفى قيام الرئيس المصري بإرسال أية رسالة إلى بيريس. وكان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي قد بعث هو الآخر رسالة إلى مرسي لتهنئته بالفوز. وبعدها قال متحدث رئاسي مصري إن وزارة الخارجية المصرية تولت الرد على نتنياهو "لأنها المنوطة بهذه الاتصالات بالنظر إلى أن مصر دولة مؤسسات". الشيء ذاته تكرر بتهنئة بعث بها بيريس إلى مرسي لتهنئته بحلول شهر رمضان. والرد الذي نشرته وسائل الإعلام نقلا عن مكتب بيريس هو "تلقيت بعميق الشكر تهنئتكم على قدوم شهر رمضان المبارك". ولابد أن إسرائيل والولاياتالمتحدة تتفهمان أن من العسير على مرسي أيا كانت خلفيته الأيديولوجية أو خبراته السياسية السابقة أن يتعامل بسهولة وسلاسة في ملف العلاقات بين البلدين في مثل هذا التوقيت. وربما تكتفيان مؤقتا بضمانات تعطى وراء أبواب مغلقة أو في أحاديث خاصة بعيدا عن وسائل الإعلام. وفي مقابلة أجراها مرسي مع وكالة رويترز ألح المحاوران على الرئيس كي يعلق بشيء من الاستفاضة في موضوع العلاقة مع إسرائيل أو أن يبوح بشيء مما يجري وراء الكواليس. وإذا أمعنا النظر في المقابلة التي نشرتها أصوات مصرية بالكامل نجد التالي: - ستة أسئلة طرحها المحاوران المخضرمان من وكالة رويترز على مرسي بشأن إسرائيل ومصر والسلام لكنه لم ينطق كلمة "إسرائيل" ولو مرة واحدة. - تهرب من الإجابة على سؤال بشأن زيارة إسرائيل أو استقبال مسؤولين إسرائيليين وبدلا من ذلك تحدث عن "السلام الشامل والعادل لكل شعوب المنطقة" وعن "السلام بمفهومه العادل المستقر.. علاقتنا الدولية تقوم علي هذا التوازن". - حاول المحاوران محاصرة مرسي بالسؤال تحديدا "هل ستستقبلون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مصر؟" لكن مرسي قال بهدوء إن مصر والشعب المصري يقرر علاقاته الخارجية بإرادة حرة. - بخصوص التنسيق مع إسرائيل في موضوع سيناء شدد على سيادة مصر على سيناء مع التأكيد على عدم السماح لأي طرف بالتدخل في الشأن المصري. قالها طبعا دون أن يسمي إسرائيل تحديدا. - عند سؤاله عما إذا كانت هناك تعديلات على الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل تحدث عن الاحترام "لكل الاتفاقيات الدولية". ويتضح من الحوار ومن حوارات سابقة أن الصيغة المعتمدة حتى الآن عند الإشارة إلى السلام مع إسرائيل هي أن الرئيس المصري جاء يحمل رسالة سلام إلى العالم. وبخصوص احترام اتفاق السلام مع إسرائيل يكون التصريح الرسمي المصري هو احترام "كل الاتفاقات الدولية" وغير ذلك من الصيغ الدبلوماسية. والسؤال هو: هل سيستمر قاموس مفردات مرسي خاليا من كلمة إسرائيل؟ والأهم من ذلك: إلى متى يستطيع المواصلة على هذا النهج؟ وإلى متى ستستمر الولاياتالمتحدة وقبلها إسرائيل في التماس العذر لمرسي في نأيه عن التفاعل العلني مع هذه المعطيات في المنطقة: إسرائيل ومعاهدة السلام والجوار بين البلدين وعلاقاتهما الدبلوماسية والتجارية؟. العيون كلها مركزة على هذا الملف المؤجل. الفلسطينيون بجناحيهم الحمساوي والفتحاوي.. والمصريون على كافة انتماءاتهم السياسية والاجتماعية. أما ضابط الحدود الإسرائيلي القابع في برج المراقبة على حدود مصر فسيظل ممسكا بمنظاره قلقا حيرانا ينتظر أن يلوح له في الأفق سلام دافئ مع مصر.