حكمت محكمة في موسكو الجمعة بالسجن سنتين على الشابات الثلاث في فرقة "بوسي رايوت" الروسية الجمعة بتهمة "اثارة الشغب" بعد اقامتهن "صلاة" داخل كاتدرائية انتقدن فيها الرئيس فلاديمير بوتين، عقب محاكمة اثارت اهتماما عالميا. ويبدو من خلال الحكم القاسي ان بوتين لا يعتزم التنازل لا للمعارضة ولا للغرب الذي ابدى قلقه من احكام سيطرته على روسيا. وفي حين اثار الحكم انتقادات في اوروبا وواشنطن التي اعربت عن قلقها من اثر ذلك على حرية التعبير، دعت بطريركية روسيا الى "الرافة" ازاء ناديا تولوكونيكوفا (22 عاما) وايكاترينا ساموتسيفيتش (30 عاما) وماريا أليخينا (24 عاما) اللواتي اقمن في 21 شباط/فبراير في كاتدرائية المسيح المخلص في موسكو "صلاة اعتراض" طلبن فيها من السيدة العذراء مريم أن "تخلصهن من بوتين". واعلنت رئيسة محكمة خاموفنيتشيسكي في موسكو القاضية مارينا سيروفا ادانة الشابات بتهمة "اثارة الشغب" و"التحريض على الكراهية الدينية". واشارت القاضية الى ان المتهمات الثلاث لم يبدين اي "ندم" على فعلتهن متهمة اياهن "بانتهاك النظام العام" و"الاساءة لمشاعر المؤمنين". واستمرت تلاوة حيثيات الحكم قرابة ثلاث ساعات، تحدثت خلالها القاضية عن "الازدراء" بالاديان، مستندة بشكل كبير الى تصريحات موظفين واعضاء في امن الكاتدرائية ممن تقدموا بشكوى بسبب "الالم المعنوي" الذي تسببت بها "الصلاة" التي ادتها النساء الثلاث. وهتف اشخاص كانوا موجودين في قاعة المحكمة اثناء صدور الحكم "يا للعار! هذا ظلم!"، وذلك رفضا للحكم الذي جاء اخف مما طلبه المدعي العام بالسجن ثلاث سنوات. وابتسمت ناديجدا تولوكونيكوفا اثناء تلاوة الحكم. وبعد قليل من صدور الحكم، اعتبرته وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون بانه لا يتناسب مع التهمة. وقالت في بيان "اعبر عن خيبة امل عميقة للحكم الصادر (..) بحق عضوات بوسي رايوت. هذا الحكم لا يتناسب مع التهمة". وتحدثت فرنساوالولاياتالمتحدة عن حكم "غير متناسب". وجاء في بيان للخارجية الاميركية ان "الولاياتالمتحدة تشعر بالقلق سواء من الحكم او من العقوبات غير المتناسبة (مع التهم) التي اصدرتها محكمة في موسكو في قضية عضوات فرقة بوسي رايوت وتاثيرها السلبي على حرية التعبير في روسيا". واضاف "نحث السلطات الروسية على اعادة النظر في هذه القضية والعمل على احترام حرية التعبير". واعتبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل الحكم "مبالغا في قسوته" وقالت ان الحكم بالسجن "لا ينسجم مع القيم الاوروبية لدولة لا قانون ومع الديموقراطية التي اعلنت روسيا تاييدها لها باعتبارها عضوا في مجلس اوروبا". وكان وزير خارجية المانيا غيدو فسترفيلي قال انه "قلق من تبعات هذه العقوبة على مستقبل وحرية المجتمع المدني في روسيا". واثارت بطريركية روسيا الدهشة بنشرها بيانا في المساء يدعو الى الرأفة ازاء الشابات الثلاث. وجاء في البيان الصادر عن المجلس الاعلى للكنيسة الارثوذكسية الروسية الذي يتبع مباشرة لبطريرك عموم روسيا "نطلب من سلطات الدولة ان تتعامل برأفة مع المدانات املا في ان تعدلا عن تكرار انتهاك حرمة المقدسات". وقال المتحدث باسم بوتين ديميتري بسكوف في تصريح نقلته انترفاكس انه لا يسعه التعليق على الحكم وقال "كل ما يمكنني قوله ان القرار عائد للمحكمة. لقد قال بوتين مرارا للصحافيين انه لا يحق له فرض وجهة نظره على المحكمة". واكد نيكولاي بولوزوف احد محامي الشابات انهن سيستانفن الحكم، معتبرا في تغريدة على تويتر ان السلطات الروسية "ادانت نفسها بنفسها" بهذا الحكم. وقال والد ايكاتيرينا ساموتسيفيتش لفرانس رس انه لم يتوقع حكما بهذه القسوة. وشبه المدون المعارض المناهض للفساد الكسي نافالني المحاكمة "بمحاكم التفتيش" كما نقلت عنه انترفاكس. وراى الكاتب المعارض بوريس اكونين لتلفزيون دوجد "انه ببساطة ضرب من الغباء". واقيمت تجمعات مؤيدة للمتهمات الثلاثاء في روسيا وفي مدن اوروبية عدة، من وارسو الى سيدني مرورا بباريس ونيويورك. وكان محامو الدفاع طلبوا الافراج عن الفتيات فيما شبهت احداهن المحاكمة "بمحاكمات الترويكا في الحقبة الستالينية"، في اشارة الى المحاكمات الاعتباطية السريعة التي كانت تقوم بها لجان من ثلاثة اشخاص ابان حكم ستالين وكانت تنتهي باحاكم بالسجن او حتى بالاعدام. والعقوبة القصوى للمدانين "باثارة الشغب" هي السجن سبع سنوات. وحضر الجلسة دبلوماسيون اميركيون. وقالت المنشقة السوفياتية السابقة والناشطة الروسية ليودميلا اليكسيفا لتلفزيون دوجد الروسي "في روسيا، اذا ما تم اعتقال متهمين قبل صدور الحكم، فهذا يعني انهم مذنبون". وجرت المحاكمة وسط انتشار كثيف لعناصر الشرطة وعوائق معدنية تم نصبها على جانبي الطريق، ما منع اي تظاهرة محتملة. وتجمع المئات من انصار الشابات الثلاث والمعارضين لهن على السواء قرب مبنى المحكمة. في المقابل هتف حوالى مئة شخص "الحرية لشابات +بوسي رايوت+" و"الحرية للسجناء السياسيين". واوقفت الشرطة حوالى ستين شخصا من انصار "بوسي رايوت"، بينهم زعيم جبهة اليسار سيرغي اودالتسوف وبطل العالم السابق في الشطرنج غاري كاسباروف للتحقيق معهم واقتيدوا في سيارة للشرطة. كذلك شهدت مدن روسية عدة تجمعات مؤيدة للمتهمات الثلاث منها في ايكاتيرينبورغ بمنطقة الاورال وسامارا في الفولغا. واتخذت هذه القضية بعدا دوليا حيث تلقت الشابات الثلاث دعما كبيرا في العالم لا سيما من قبل نواب المان والمغنية الاميركية مادونا والفنانة يوكو اونو ارملة جون لينون او حتى عضو فرقة البيتلز السابق بول ماكارتني. وكتب ماكارتني الخميس عشية صدور الحكم انه "شخصيا وكل الاخرين الذين يؤمنون بحرية التعبير سيبذلون كل ما بوسعهم لدعمهن، ولدعم فكرة الحرية الفنية". وقد اثارت هذه القضية انقساما عميقا في المجتمع الروسي، حيث يندد العديد من الكهنة والمؤمنين بانتهاك حرمة الكاتدرائية وبهجوم منظم ضد الكنيسة. لكن آخرين وبعضم ضمن الكنيسة اعتبروا ان الملاحقات القضائية بحق الشابات وابقاءهن قيد الاعتقال، غير متناسب مع التهم الموجهة اليهن، ودعوا الى التساهل معهن. كما شهدت عواصم اوروبية عدة تجمعات ضمت بضع عشرات للتنديد بمحاكمة فرقة "بوسي رايوت". وتجمع حوالى 200 شخص في باريس، وحوالى 50 شخصا في برشلونة قرب كنيسة العائلة المقدسة للمطالبة بالحرية للشابات الثلاث. ويأتي الحكم في نفس الاسبوع الذي يكمل فيه الرئيس الروسي فترة المئة اليوم في السلطة اثر عودته الى الكرملين في ولاية رئاسية ثالثة والتي شدد فيها الرقابة على منظمات المجتمع المدني ردا على حركة احتجاج قامت ضده. وبحسب استطلاع اجراه معهد ليفادا ونشرت نتائجه الجمعة صحيفة فيدوموستي فان شعبية بوتين سجلت ادنى مستوياتها منذ وصوله الى الحكم في عام 2000 حيث عبر 48% فقط من الاشخاص عن تاييدهم له مقابل 25% غير راضين عن ادائه. وفي ايار/مايو الماضي اظهر استطلاع للرأي ان 60% كانوا راضين عن ادائه و21% معارضين. وازاء الضجة التي اثارتها هذه القضية، قال الرئيس الروسي في مطلع آب/اغسطس انه لا يؤيد فرض عقوبة قاسية على الشابات الثلاث. وفي مقابلة نشرتها الجمعة صحيفة نوفايا غازيتا قالت احدى المتهمات ايكاترينا ساموتسيفيتش ان الحكم في القضية غير مرتبط "بمبدأ العدالة" وانما "بخشية بوتين من العواقب (السلبية) المحتملة بالنسبة اليه في خريف 2012 حيث سياخذ سجننا اهمية خاصة".