قد تؤدي الاحتجاجات العنيفة التي يشارك فيها شباب مصريون يسعون إلى إنهاء الحكم العسكري بسرعة إلى إجراء انتخابات الرئاسة قبل منتصف 2012 كما هو مقرر، لكن من المتوقع أنه حتى لو حدث هذا فسيحتفظ الجيش بنفوذ قوي على البلاد، ويحتفظ بامتيازاته الاقتصادية. وقال المحلل السياسي محمد صفار، القوى السياسية والمصريون عموماً غاضبون. المصريون غاضبون على ما حدث من فوضى ويطالبون بانتخابات رئاسية مبكرة لنقل السلطة بشكل أسرع ولكن هذا لن يحيد من دور الجيش في السلطة. وقال مصدر مقرب من الجيش لرويترز إن التفويض الشعبي لن يكون كافياً لدعم رئيس مصر القادم لأنه سيحتاج أيضاً إلى دعم النخبة العسكرية. وأضاف المصدر هذه فترة انتقالية يسلم فيها طرف السلطة لآخر. يجب أن يكون هناك اتفاق. هذه هي السياسة. وسيعني هذا أيضاً احتفاظ الجيش بامتيازاته الاقتصادية على أن يصاحب هذا ما يكفي من استقلالية لإدارة مصالحه التجارية الضخمة. وتتجلى أهمية الجيش لاقتصاد مصر واستقرارها في أنشطة منها جهوده في مد الطرق والقرض الذي قدمه مؤخراً لالبنك المركزي وقيمته مليار دولار لتقليص العجز في احتياطيات النقد الأجنبي. وجرت مناوشات بين محتجين علمانيين وآخرين أغلبهم غير منظمين يشعرون بالغضب والحرمان من الحقوق طوال أسبوع في ميدان التحرير بوسط القاهرة وجنود أوسعوا الرجال والنساء ضرباً وأسقطوهم على الأرض وأطلقوا الأعيرة النارية في الهواء لتفريق الحشود. ومثلت هذه الموجة من أعمال العنف تصعيداً في الاشتباكات الدائرة منذ منتصف نوفمبر ومن خلالها تصدر المشهد معارضون لا يتورعون عن الاشتباك مع قوات الأمن على الرغم من أن الجماهير العريضة التي ضاقت ذرعاً بالاضطرابات ترى أنها تزعزع الاستقرار وتضر الاقتصاد وتفضل التركيز على عملية بناء المؤسسات الديمقراطية. وقال مصطفى أيمن، وهو أحد المحتجين، حين نظفنا ميدان التحرير في فبراير أزلنا دماء الشهداء ودفنا الثورة لدى مولدها. مطالبنا لم تتحقق، العنف هو السبيل الوحيدة لإعادة الثورة لمسارها. واقتصرت الاضطرابات على ميدان التحرير والشوارع المحيطة به إلى حد كبير ومن غير المرجح أن تحول من دون استكمال الانتخابات البرلمانية في الموعد المحدد لذلك أوائل الشهر المقبل. وهذه هي أول انتخابات منذ إسقاط الرئيس السابق حسني مبارك في انتفاضة شعبية في فبراير. لكن استخدام الجيش للقوة القاتلة ضد المحتجين في الآونة الأخيرة روع الكثير من المصريين الذين يعتبرون الجيش مؤسسة فوق اللوم وهو وضع متفرد بين مؤسسات الدولة خصوصاً بعد أن أحجم الجيش عن استخدام العنف لإنهاء الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بمبارك. ويدعو الكثير من المصريين وبينهم ساسة إلى أن يجري المجلس العسكري انتخابات الرئاسة، المقرر حتى الآن إجراؤها في يونيو 2012، بعد اجتماع مجلس الشعب المنتخب مباشرة في أواخر يناير. لكن تقديم موعد انتخابات الرئاسة لن ينهي بالضرورة هيمنة الجيش في دولة جديدة يحكمها مدنيون وهو ما يهدف إليه المحتجون وذلك لأنه سيكون على جميع المرشحين المحتملين أن يكونوا على صلات جيدة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي العام 2008 تدخل الجيش لتخفيف حدة أزمة الخبز حين زاد الإنتاج في مخابزه. وقال صفار مصر تحت حكم الجيش من 1952 ونحن الآن نريد أن نسترجع الجمهورية من حكم العسكر ولكن الجيش سيحتاج ضمانات لترك السلطة مثل الاطمئنان على مصالحه الاقتصادية وسيريد أيضاً حصانة لكي لا يتعرض للمساءلة بعد تسليم السلطة. ويتولى ضباط الجيش في مصر بعد تقاعدهم مناصب رفيعة في الهيئات والشركات الحكومية. ويحكم مصر عسكريون منذ العام 1952 حين قام ضباط الجيش بانقلاب وأطاحوا بالملك. كما يجل المصريون الجيش بسبب حرب العام 1973 ضد إسرائيل. واذا أجريت انتخابات الرئاسة قبل الموعد المنتظر فقد لا يستطيع إلا بضعة مرشحين خوض محاولة جادة للفوز. ومن بين المرشحين الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي تشير استطلاعات الرأي ومحللون إلى تصدره السباق على منصب مبارك القديم. وتمتع موسى بشعبية كبيرة حين كان وزيراً للخارجية، كما أنه واحد من أشهر الشخصيات العامة. وقد يعتبر موسى (74 عاماً) جسراً بين النظام القديم والناخبين الذين يسعون إلى الاستقرار في دولة مدنية جديدة. ويقول محللون إن صلاته بالجيش تجعله المرشح المفضل لأعضاء المجلس العسكري الذين يتطلعون إلى تحقيق الأمن قبل أن يتركوا الحكم رسمياً. ويؤيد موسى الدعوات لتقديم موعد انتخابات الرئاسة قائلاً، إن مصر تمر بأزمة تتطلب نقل السلطة سريعاً إلى رئيس منتخب. لكن حسن نافعة، استاذ العلوم السياسية والناشط الذي كان معارضاً لمبارك، قال إن إجراء انتخابات الرئاسة قبل أن يقر مجلس الشعب دستوراً جديداً سيهدد بمنح الرئيس الجديد الصلاحيات غير المحدودة نفسها التي تمتع بها مبارك. وأضاف أن هذا سيفتح الباب لجدل بين الرئيس الجديد والحكومة والبرلمان الذي سيحارب لتقليص الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس بالفعل. ومن بين المرشحين الآخرين المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، ويتمتع باحترام بين الداعين للديمقراطية وأيضاً على المستوى الدولي لكن نسبة لا بأس بها من المواطنين العاديين يعتبرونه مقصراً في التواصل مع الجماهير لأنه قضى جانباً كبيراً من حياته العملية في الخارج. وأشارت استطلاعات الرأي إلى أنه ربما لا تكون له قاعدة دعم عريضة جداً. لكن تاريخ البرادعي الدبلوماسي خصوصاً تعاملاته مع الولاياتالمتحدة يجعله مرشحاً أكثر استقلالية من موسى أو غيره ممن كانت لهم مكانة بارزة في ظل النظام السابق. وقال صفار البرادعي كرئيس سيمثل تحدياً حقيقياً للجيش لأن لديه علاقات جيدة بأمريكا ودول أخرى وممكن أن يؤدي ذلك لتهميش الدور الدبلوماسي للجيش. وعلى النقيض من الاحتجاجات السلمية التي وحدت المصريين من مختلف الأطياف لإسقاط مبارك فإن الشباب في التحرير الآن يستخدمون المقلاع والمقذوفات الحادة لمواجهة قوات الأمن قائلين إن الصراع مع السلطات ضروري. وقال أيمن الذي فضل ألا يستخدم اسمه الحقيقي، لا توجد ثورة سلمية بفترة انتقالية يقودها الجيش المؤسسة التي تسيطر على البلاد منذ العام 1952. إحنا بنضحك على مين؟. وهو واحد من كثير من الشبان الذين يميلون لليسار ويرون أن قيمة دورهم كجماعة ضغط أكبر من قيمة خوضهم مجال العمل السياسي. وقال أيمن طرفان أفسدا هذه الثورة، الجيش والإخوان المسلمون، مضيفاً أن من الواضح أن الجيش والإخوان الذين سيهيمنون على البرلمان القادم فيما يبدو يتعاونان للوصول إلى توازن للقوى في الدولة المدنية الجديدة. وفي بيان حمل اسم إما نحن وإما أنتم، جرى تداوله خلال الاشتباكات الأخيرة يوم الثلاثاء دعا شباب إلى ثورة ثانية على المجلس العسكري. وقال البيان الذي حمل عنوان (بيان بشأن يوم 25 يناير 2012 - الشوط الثاني)، نعم أنتم هدفنا نستهدفكم وبكل صراحة المجلس العسكري. نعلم أن الجيش يختلف عن المجلس العسكري ولن نقتنع بحجة الأوامر ولكن من سيحمي هذا الكيان. سيصبح عدواً لنا. وحذر الشبان الذين يعرفون باسم التراس ميادين التحرير القوى السياسية من التواطؤ مع الجيش. وأضاف البيان نحن ضد النظام السابق اللي لسة مش سابق. وكل من يسب الثورة والشهداء وكل من يحاولون أن يتسلقوا على الثورة ويتاجروا بالدين من أجل السلطة. وفي الرسالة رقم 92 التي نشرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة على صفحته على فيسبوك قال، توفرت معلومات تدعونا إلى الحيطة والحذر خلال الفترة المقبلة أبرزها استمرار المخطط الهادف إلى إفشال وإسقاط الدولة بتصعيد الاعتصامات والاحتجاجات واستهداف المرافق الحيوية للدولة. إبقاء الوضع على ما هو عليه بميدان التحرير لأكبر وقت ممكن والعمل على تصعيد الأحداث بهدف توريط المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستثمار تدخله كلما حدث ذلك من جانبه. وفي وقت سابق من الأسبوع الماضي قال اللواء عادل عمارة، عضو المجلس العسكري، إن الاشتباكات تثبت أن العنف ممنهج وترتكبه أياد خفية وهو تعبير يطلق على من يعطلون الإصلاح للحفاظ على مصالحهم. لكن البعض تساءل عما إذا كان المجلس العسكري نفسه يسمح باستمرار أعمال العنف كوسيلة لتقسيم الحركة الداعية للديمقراطية حتى لا تندلع مظاهرات حاشدة بحجم تلك التي أطاحت بمبارك. وقال صفار المجلس العسكري يواجه صعوبة في الحفاظ على توازن القوى. لذلك هو يستغل العنف المحكم الذي نراه بهدف تقسيم المعارضة. ولكن هو لا يستطيع أن يستمر في هذا لأن من الممكن أن تتحد صفوف المعارضة ضده. ويرفض الجيش بشدة الاتهامات بأنه يريد التشبث بالسلطة أو لا يتصرف بإخلاص. ويؤكد أنه سيلتزم بخطته من أجل التحول الديمقراطي. وقال اللواء عمارة للصحافيين هذا الأسبوع خلال مؤتمر صحافي دافع فيه عن تعامل الجيش مع المحتجين، إن القوات المسلحة ستواصل تنفيذ دورها خلال الفترة الانتقالية. وأحجم التيار الإسلامي في مصر عن المشاركة في الاحتجاجات لأن من المتوقع أن يصبح صاحب أكبر كتلة في مجلس الشعب وهو موقف رحب به المجلس العسكري لأنه ساعد على اقتصار الاحتجاجات على أقلية صغيرة نسبياً. لكن محللين يقولون إنه إذا بدأ المصريون ينظرون إلى الجيش كعقبة في طريق الاستقرار لا ضامن فقد يتحدون ضده. ويقول الجيش إنه يتمتع بثقة عموم الشعب المصري. وأظهر استطلاع أجرته رويترز أن الاقتصاد المصري سينمو بنسبة 1.8 بالمئة فقط في السنة المالية الجارية و3.1 بالمئة في السنة المالية المقبلة مع تعافيه ببطء من الاضطرابات السياسية التي أدت للإطاحة بمبارك وعطلت الاقتصاد. وتوقع الاستطلاع الذي شمل عشرة اقتصاديين استقرار معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي في أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان عند 1.8 بالمئة في السنة المالية التي تنتهي في 30 من يونيو 2012 من دون تغير عن مستواه في السنة المالية الماضية. لكن هذا التوقع أعلى من 1.3 بالمئة في الاستطلاع السابق الذي أجري في سبتمبر. وتوقع المشاركون في الاستطلاع أن يتسارع النمو بعد ذلك إلى 3.1 بالمئة في 2012 - 2013 لكنه سيظل بعيداً عن معدل الستة بالمئة، الذي يقول الاقتصاديون إن مصر تحتاج إليه لتبدأ خلق فرص عمل كافية للسكان الذين يبلغ عددهم 80 مليون نسمة. ويترنح الاقتصاد المصري تحت وطأة سلسلة من الاشتباكات العنيفة ضد المجلس العسكري الحاكم منذ أن أطاحت الانتفاضة بمبارك في فبراير ودفعت المستثمرين والسائحين للخروج من البلاد. وقال رئيس الوزراء المصري كمال الجنزوري أول من أمس إن الدول المانحة تعهدت بدفع مليارات الدولارات لمصر بعد الثورة، ولكن لم يصل منها إلا القليل، سواء من مجموعة الدول الثماني أو الولاياتالمتحدة أو الدول العربية. وأوضح الجنزوري، في مؤتمر صحافي في القاهرة، أن مجموعة الثماني اجتمعت وقررت دعم الاقتصاد المصر ي والتونسي بمبلغ 35 مليار دولار، إلا أننا لم نتلق من هذا الدعم شىء حتى يومنا هذا. وأضاف أن العرب قرروا دعم مصر بمبلغ 10 مليارات دولار بعضها في صورة مساعدات، وبعضها قروض ميسرة، إلا أن مصر لم تحصل إلا على مليار دولار فقط. وأوضح الجنزوري الولاياتالمتحدة قررت دعم مصر ب2.25 مليار دولار في صورة إعادة جدولة ومنحة وإعانة للمشروعات الصغيرة، لم نحصل منها على شىء أيضاً. وأشار إلى أن أمريكا التي يصل إنتاجها إلى ثلث إنتاج العالم هب الجميع لمساعدتها عندما واجهت أزمة مالية في العام 2008، وحلت أزمتها بعدم خروج دولار واحد من أمريكا، إلا أن مصر، في المقابل، خرج منها 9 مليارات دولار خلال أشهر قليلة. وتابع الجنزوري فرض علينا التعامل مع صندوق النقد الدولي لتتمكن مصر من الحصول على قروض أو منح من دول العالم الغنية، موضحاً أن الوزارة السابقة طلبت تلك المساعدات ولم نحصل عليها حتى الآن. وشدد على أن مصر تعاني من وضع اقتصادي صعب، مشيراً إلى أن 9 مليارات دولار خرجت من مصر من الاستثمارات في شهور قليلة، ولم يأت أي مستثمر جديد، فالوضع في مصر يحتاج أن نجلس جميعاً ونتحاور للخروج من المشكلة التي تواجه البلاد. وأوضح الجنزوري اتفقنا مع مستثمرين في عدة دول، ولكن لم يأت أحد، مؤكداً أن الأوضاع الاقتصادية في مصر صعبة، ما يتطلب الهدوء والتفكير من أجل الحد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين. وأضاف أنه كمسؤول كان يتمنى ألا يحدث أي عنف من جانب أي مسؤول على أي مواطن، خصوصاً السيدات، لافتاً في الوقت نفسه إلى استخدام المتظاهرين العنف، قائلاً من حرق المجمع العلمي كان يرقص.. وذكر الجنزوري توليت رئاسة الوزراء في 7 ديسمبر من الشهر الجاري حيث مرت 15 يوماً على تحملي تلك المسؤولية. وأضاف أنه قبل تحمل تلك المسؤولية رغم علمه بما نعانيه من فراغ أمني، ووضع اقتصادي متدهور، على الرغم من أن ذلك كان مبرراً قوياً لرفض تلك المهمة. وتشهد مصر منذ أسبوع اشتباكات دموية بين المتظاهرين والجيش في محيط مقري الحكومة والبرلمان بالقرب من ميدان التحرير، ما أدى إلى مقتل 14 شخصاً وإصابة ما يزيد على 800 آخرين، وارتفعت على إثر هذه المواجهات مجدداً أصوات تنادي بضرورة الإسراع في ترك الجيش للسلطة. ودعا المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الذي يتولى إدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، الأربعاء الماضي مواطنيه إلى العمل على إفشال المخطط الهادف لإسقاط الدولة. وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية قد نقلت في وقت سابق من أمس عن مصدر مصري مسؤول قوله إن هناك مخططاً يتضمن الدعوة لثورة جديدة في 25 يناير المقبل للدخول في مواجهات مع الجيش بهدف فرض الوصاية الدولية على مصر. المصدر : جريدة الرؤية الاقتصادية الاماراتية