طرابلس/سرت (ليبيا) (رويترز) - وصلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى ليبيا يوم الثلاثاء في زيارة لم يعلن عنها من قبل لترسيخ العلاقات مع السلطات الليبية الجديدة لكن قوات موالية للزعيم المخلوع معمر القذافي شنت هجوما مضادا مفاجئا في سرت مسقط رأسه. وكلينتون هي أرفع مسؤول أمريكي يزور طرابلس منذ سيطرة القوات التي كانت تحارب حكم القذافي على العاصمة في أغسطس آب بمساعدة طائرات حلف شمال الأطلسي. وغلب على الزيارة إجراءات أمنية مشددة أظهرت المخاوف بشأن مدى قدرة السلطات الجديدة على السيطرة على البلاد. وقال مسؤولون امريكيون إن الهدف من زيارة كلينتون هو ترسيخ الشراكة مع الحكومة الجديدة ومساعدتها على توجيه البلاد نحو الديمقراطية. وستشجع كلينتون المجلس الوطني الانتقالي على الوفاء بوعوده بشأن التحرك سريعا نحو الانتخابات. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية يرافق كلينتون "المهم هو التمكن من إظهار أن هناك زخما للشعب الليبي ... نحن ندفع (المجلس الوطني الانتقالي) حتى يكون قادرا على ان يظهر للشعب الليبي جديته في التزاماته تجاه الانتقال وجديته في التزامه تجاه سيادة القانون وجديته تجاه الوصول إلى تلك الانتخابات." كما تعرض واشنطن على ليبيا مساعدة عملية للسيطرة على آلاف من قطع الأسلحة التي تنتشر في البلاد منذ انتهاء الحرب التي استهدفت إسقاط حكم القذافي. ويقول خبراء امن إن تلك الاسلحة من الممكن ان تسقط في أيدي تنظيم القاعدة. وشاركت الولاياتالمتحدة في حملة القصف التي شنها حلف شمال الأطلسي وساعدت على تولي المجلس الوطني الانتقالي شؤون البلاد وإن كان دور الطائرات الأمريكية دورا ثانويا بعد دور بريطانيا وفرنسا. وبعد نحو شهرين من السيطرة على طرابلس لم يتمكن المجلس الوطني الانتقالي بعد من هزيمة من تبقى من الموالين للقذافي مما يثير تساؤلات بشأن قدرته على بسط سيطرته على كل أنحاء البلاد واحتمال إرجاء البدء في برنامج الديمقراطية الموعود. وجاء وصول كلينتون في الوقت الذي منيت فيه الحكومة الحالية بانتكاسة عسكرية في سرت حيث كان المجلس الانتقالي يستعد قبل عدة ايام لإعلان السيطرة على المدينة وهزيمة القوات الموالية للقذافي. وسرت الآن هي آخر بلدة رئيسية في ليبيا يتحصن بها موالون للقذافي بعد أن سقطت بني وليد التي كانت المعقل الآخر لقوات القذافي في أيدي المجلس الوطني الانتقالي يوم الاثنين. وقال مراسلون لرويترز إن موالين للقذافي كانوا محاصرين في منطقة من سرت مساحتها نحو كيلومترين مربعين تمكنوا فيما يبدو من كسر الحصار. وأجبرت مجموعة من مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي على الانسحاب نحو كيلومترين بعد أن تعرضت لنيران كثيفة. وكانت القوة تحاول إعادة توحيد صفوفها قرب مركز واجادوجو للمؤتمرات -وهو المركز الذي كان يستخدمه القذافي في استضافة رؤساء الدول- لكنها أجبرت على البقاء في مكانها. وتعرضت القوة لوابل من قذائف عيار 22 ملليمترا من القوات الموالية للقذافي مما أدى إلى إعطاب أربع عربات وإصابة مقاتل للمجلس الوطني الانتقالي بجروح بالغة. ونقل في سيارة إسعاف لتلقي العلاج. وعلى أطراف وسط سرت لم تتغير خطوط الجبهة لكن تزايد أعداد الجرحى بدد مناخ التفاؤل الذي كان يسود بين مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي وحلت مكانه مشاعر اليأس. ورأى مراسل لرويترز رجلا أصيب برصاص القوات الموالية للقذافي. وحاول المحيطون بالمقاتل إفاقته لكنهم توقفوا بعد خمس دقائق عندما أصبح من الواضح أنه مات. وبعد ذلك أزاحوا الرمال على بركة الدماء التي خلفتها إصابة الرجل. ويتناقض هذا المشهد بشكل صارخ مع ماحدث في وقت سابق من الأسبوع الحالي عندما لم تبد القوات الموالية للقذافي مقاومة تذكر ردا على قصف مكثف من قوات المجلس الوطني الانتقالي بقذائف الدبابات والمورتر. وكان المجلس الوطني الانتقالي يشعر بثقة بالغة في انتصاره الوشيك في هذه البلدة لدرجة أن مصطفى عبد الجليل زعيم المجلس الوطني الانتقالي زار سرت في الأسبوع الماضي واستقبله مقاتلون أطلقوا اعيرة نارية في الهواء احتفالا. وتقول قوات المجلس الوطني الانتقالي إن القوات الموالية للقذافي تستغل حلول الليل في كسر الحصار ثم تفتح النار وإن عدم التنسيق أعاق جهود قوات المجلس التي تتكون أساسا من مقاتلين هواة متطوعين. وهناك وحدات من بنغازي في شرق ليبيا ومصراتة إلى الغرب فقدت أفرادا نتيجة "نيران صديقة" عندما أطلقوا النار على بعضهم البعض خطأ بدلا من إطلاق النار على قوات القذافي. وقال محمد اسماعيل وهو قائد ميداني لإحدى الكتائب إن رجاله قرروا التوقف عن قصف القوات الموالية للقذافي بالمدفعية وإنها تلجأ الآن للمشاة. وأضاف "كان هناك إطلاق نار كثيف للغاية في مساحة صغيرة مما تسبب في إصابة مقاتلين بنيران صديقة." وتولت السلطات الليبية الجديدة السلطة قبل نحو شهرين عندما أنهى تمرد مسلح بدعم من صواريخ حلف شمال الاطلسي وطائراته الحربية سيطرة القذافي على العاصمة طرابلس وأنهى حكمه الشمولي. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقاله لاتهامات بأنه أصدر أوامر بقتل المدنيين. وهو مختبئ حاليا وربما يكون في عمق الصحراء الليبية. والسيطرة على سرت أمر حيوي بالنسبة للمجلس الوطني الانتقالي لأنه سيكون مؤشرا على سيطرة ولو إسمية على كل الأراضي الليبية. ويقول المجلس أيضا إن سقوط سرت سيؤذن ببدء عملية تشكيل حكومة موسعة وبناء مؤسسات ديمقراطية. لكن هذه العملية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لليبيا لأنها ستتضمن ايجاد سبيل لتقسيم السلطة بين جماعات متنافسة الكثير منها مسلح وقد نفد صبرها في انتظار الحصول على نصيب من ليبيا الجديدة. (شاركت في التغطية رانيا الجمل في سرت)