عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما قراره زيادة القوات في أفغانستان عام ،2009 قلت حينها ان هذا المسعى قد ينجح اذا استوفى ثلاثة شروط: إذا أصبحت باكستان دولة مختلفة، وإذا اصبح الرئيس الأفغاني حامد كرزاي رجلا مختلفا، وإذا فعلنا نحن الأميركان بالضبط ما ادعينا أنه لم يتم انجازه من قبل، وهو بناء الأمة الأفغانية. ولم يتم استيفاء أي من تلك المتطلبات وهو ما جعلني اعتقد الى الآن أن خياراتنا في أفغانستان أصبحت تتمثل في ما يلي: الخسارة المبكرة، الخسارة المتأخرة، الخسارة الكبيرة، والخسارة الصغيرة، وأختار منها الخسارتين المبكرة والصغيرة. وينبع قلقي حيال أفغانستان من خلال طرحي التساؤلات الثلاثة التالية: متى كان الوضع في الشرق الأوسط مرضيا لنا؟ كيف انتهت الحرب الباردة؟ وماذا كان سيفعل الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان؟ والآن دعونا نتمعن في هذه الأسئلة الثلاثة: متى كان الوضع في الشرق الأوسط مرضيا خلال العقود الثلاثة الماضية؟ وتبدو الاجابة عن هذا التساؤل سهلة، أولا: عندما استطاع الرئيس المصري السابق انور السادات ان يحقق اختراقا يتمثل في زيارته للقدس، ثانيا: عندما استطاعت الانتفاضة السنية في العراق ضد القوات الموالية ل«القاعدة» ان تحقق تحولا هناك، ثالثا: عندما تمت إزاحة نظام «طالبان» في افغانستان عام ،2001 من قبل الثوار الأفغان المدعومين من القوة الجوية الأميركية وعدد قليل من القوات الجوية الخاصة، رابعا: عندما وقع الاسرائيليون والفلسطينيون مسودة اتفاق سلام سرية في اوسلو ، خامسا: عندما اندلعت الثورة الخضراء في ايران، سادسا: عندما انفجرت ثورة الأرز في لبنان، سابعا: عند اندلاع الانتفاضات في تونس وليبيا واليمن وسورية ومصر، ثامنا: عندما انسحبت اسرائيل من جانب واحد من جنوب لبنان وغزة. وما القاسم المشترك بين كل هذه الأحداث؟ القاسم المشترك هو ان اميركا ليست لها علاقة تقريبا بمعظمها، وهي عبارة عن احداث تولدت عن إرادة الشعوب نفسها، ولم نتوقع ان تحدث ولم يكلفنا حدوث معظمها فلسا واحدا. وماذا نستنتج من ذلك؟ نستطيع ان نستنتج ان اهم حقيقة عن الشرق الأوسط هي ان الوضع سيكون مرضيا إذا انطلقت الأحداث عن إرادة الشعب ، فإذا لم تبدأ بتلك الارادة، أو اذا لم تكن هناك مبادرة ذاتية لاتفاقية سلام جديدة أو كفاح من اجل حكم رشيد فلا يمكن ان يكون الوضع مرضيا في الشرق الاوسط مهما كان عدد القوات الاميركية التي تحارب هناك او حجم الاموال التي يتم إنفاقها، اما اذا بدأت الأحداث من قبل شعوب المنطقة فلن يكونوا بحاجة الى بقائنا هناك لفترة طويلة من الزمن. عندما يملك الشعب المبادرة، كما فعل الائتلاف الافغاني الذي أزاح حكومة «طالبان»، وكما فعل المصريون في ميدان التحرير، وكما فعل صناع السلام المصريون والاسرائيليون، فإن تلك الشعوب تصبح مدفوعة ذاتيا، وأن الدعم الاميركي يكون على شكل تأثيري فقط، وعندما لا يرغب الشعب في امتلاك المبادرة، كما هي الحال في الحالة الأفغانية ومسألة الحكم الرشيد، أو عندما يعتقد الشعب أننا نريد مردودا اكبر من المردود الذي يتوقعونه، فيسعدهم ان يتمسحوا بثيابنا، وأن يخدعونا ويبيعونا السجادة نفسها مرات ومرات. أما عن كيف انتهت الحرب الباردة فهذه اجابة سهلة، انتهت عندما انهارت الحكومتان في كل من الاتحاد السوفييتي والصين الماوية التي كانت توفر الأموال والايدلوجيا التي تحرك اعداءنا، حظيت الصين بتحول داخلي سلس من الماوية الشيوعية الى الرأسمالية، اما الاتحاد السوفييتي فكانت انتقالة فوضوية من الماركسية الى الرأسمالية، وهذه هي نهاية الحرب الباردة. ومنذ ذلك الوقت وجدنا انفسنا ننغمس بشكل متزايد في حرب مع حركة دولية اخرى: الاسلام الراديكالي الجهادي، الذي تغذيه الايدلوجيا والأموال الاتية من دول إسلامية ، ومن المعتقد ان الهجوم على قوات المارينز وضرب السفارة الأميركية في لبنان من تدبير عملاء ايرانيين، وغزونا افغانستان والعراق لأن السعودية تمتلك النفط، ولأن باكستان تمتلك المفاعلات النووية، ولأن ايران كبيرة جدا، ونأمل ان تقود تلك الحرب الى تغييرات في هذه الدول الثلاث، ولكن لم يحدث تغيير حتى الان. توماس فريدمان - كاتب ومحلل أميركي