كان ربط البحرين المتوسط والأحمر حلما قديما منذ العصر الفرعوني ، فقد عرف المصريون منذ أقدم العصور خطورة موقع بلادهم الذي يتوسط قارات العالم " آسيا وأفريقيا وأوربا " ، كما عرفوا الملاحة النهرية والبحرية وسجلوا رحلاتهم البحرية وأشهرها الرحلة إلى بلاد بونت " الصومال " في عصر الملكة حتشبسوت في الدولة الحديثة ، وقد استغلت هذه الرحلة أول قناة تصل بين البحرين عن طريق نهر النيل ، وقد حفرها سنوسرت الثالث في الدولة الوسطى وفي العصر الفرعوني المتأخر تمت رحلة بحرية استكشافية كبرى في عصر الفرعوني " نخاو الثاني " دارت حول إفريقيا بدءاًَ من البحر المتوسط وعبرت مضيق جبل طارق ودارت حول قارة إفريقيا وعادت عن طريق البحر الأحمر وقناة سنوسرت إلى مدينة منف ، وقد استخدمت هذه القناة التي تربط النيل بالبحر الأحمر في العصر الإسلامي تحت اسم " خليج أمير المؤمنين " في الوصل بين مصر والحجاز وفي العصر الحديث برزت فكرة الوصل المباشر بين البحرين عن طريق علماء الحملة الفرنسية الذين اصطحبهم " بونابرت " إلا أنها لم تنفذ كما عرضها الفرنسيون بعد ذلك على محمد على باشا ولكنه رفض خشية الأطماع الأجنبية التي ستتضاعف نتيجة وجود مثل هذا الشريان الحيوي في مصر واستطاع فردينان ديلسبس في عصر محمد سعيد باشا إقناعه بتنفيذ المشروع وحصل على امتياز الحفر بشروط فادحة الظلم على مصر ، ولم يستطع الخديو إسماعيل باشا الذي خلف سعيد تخفيف قسوة هذه الشروط حيث مات من فلاحي مصر البسطاء ما يقرب من مائة وعشرين ألفا خلال عمليات الحفر التي اتسمت بقسوة بالغة في معاملة العمال ، وزاد على ذلك حفل الافتتاح الأسطوري للقناة سنة 1869 الذين كان أحد أسباب إفلاس مصر وفقدانها لحصتها في أسهم القناة التي كانت 44% من جملة الأسهم وبهذا فقدت مصر كل سيطرة لها على القناة التي حفرت بدماء أبنائها وإهدار أموالها وثرواتها ، وكانت مدة الامتياز 99 عاما تنتهي سنة 1968 ، وحاولت شركة القناة مد هذا الامتياز مرات عديدة ، ولكنها لحسن الحظ لم تنجح في الحصول على موافقة بمدها رغم محاولتها المتكررة ، وقد لعبت قناة السويس دورا بالغ الأهمية سواء في التجارة العالمية أو في الصراعات والحروب الدولية والحربين العالميتين الأولى والثانية حيث كانت فيهما تحت سيطرة الاحتلال البريطاني ، وقد كسبت التجارة العالمية انتشارها وتألقها واتساع مجالاتها ودخولها مناطق الإنتاج الواسع الضخم ونشوء الصناعات الكبرى وتطورها والزراعة الواسعة المساحات واستخدام الآليات في الإنتاج الزراعي نتيجة لفتح أسواق جديدة شملت العالم كله نظراً لسهولة الوصول من طرق قصيرة وذات تكلفة اقتصادية يسيرة فقد اختصرت قناة السويس أربعين يوما كاملة للرحلة بين لندن وملبورن ، وجعلت أهميتها القصوى تجاريا وعسكريا جلاء الاحتلال البريطاني عن مصر أمرا بالغ الصعوبة فلم تكن بريطانيا لتفرط بسهولة في سيطرتها على هذا الممر المائي الخطير ، وبعد معاهدة الجلاء التي تم تنفيذها عام 1956 ، كانت بريطانيا وحلفاؤها الغربيون لا يطيقون فقدانهم للسيطرة العسكرية على القناة ، ثم جاءت مشكلة تمويل مشروع السد العالي الذي حاولت فيه الولاياتالمتحدة وبريطانيا ربط تمويله بفرض التبعية لهما على مصر فرد الزعيم جمال عبد الناصر بقراره التاريخي تأميم الشركة العالية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية فاستشاط الغرب غضباً وقام بالعدوان على مصر في أكتوبر سنة 1956 لإسقاط عبد الناصر وإعادة السيطرة على القناة وخاضت مصر معركتها وانتصرت على العدوان الثلاثي الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بفضل بسالة شعب بورسعيد وكل الشعب المصري ووقوف العالم كله إلى جانب مصر ضد المعتدين. ومنذ التأميم حتى اليوم – عدا السنوات التي تعطلت فيها الملاحة في القناة من سنة 1967 إلى سنة 1975 نتيجة العدوان الإسرائيلي – أسهمت القناة بدخلها الذي يبلغ اليوم ستة مليارات دولار سنويا في الاقتصاد المصري بدءا من تمويل السد العالي وحتى مشروعات البنية الأساسية ويعتبر دخل قناة السويس في الظروف الاقتصادية الحالية التي تمر بها مصر هو الركيزة الرئيسية التي يعتمد عليها رصيد النقد الأجنبي لمصر بعد فقدان دخل السياحة وانهيار صادرات البترول ، لذلك فإن أي محاولة للمساس بهذا المورد الباقي للنقد الأجنبي أو مغامرة مما يشاع في هذا الأيام عن تأجيره أو نقل ملكيته للقطاع الخاص يكون بمثابة ذبح للدجاجة التي تبيض ذهباً ، فيجب أن تكون مشروعات تطوير منطقة القناة وتنميتها وتحويلها إلى منطقة عالمية للتجارة العالمية والاستثمار والتصنيع كلها تابعة للدولة المصرية وتحت إشرافها المباشر فهذا الممر العالمي الخطير موقعاً وقدرة لا يمكن أن يترك لأهواء وسياسات غير مصرية أو لقطاع خاص يهدف لمجرد الربح ، كما لا يمكن تركه لتأثيرات الغضب الشعبي والتعبير عن الرفض لشخص أو نظام فيستغله طرف ضد آخر في معارك السياسة الداخلية التي تتسم بالسيولة والهلامية في هذه الأيام. فإن قناة السويس كانت ومازالت وستظل أحد أهم عناصر القوة الناعمة لمصر في الرقي باقتصادها وفي الارتفاع بمكانتها إقليمياً وعالمياً ، وفي تقوية نفوذها واكتساب الكثير من الفوائد المادية والسياسية والأدبية في النهوض واللحاق بركب التقدم. قناة السويس خط أحمر فاحذروا أي تلاعب به ألا هل بلغت اللهم فاشهد