يمر اليوم 55 عاما على تأميم قناة السويس ذلك الشريان الحيوى وقناة الاتصال بين الشرق والغرب .. فلم يكن قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس فى السادس والعشرين من شهر يوليو عام 1956 قبل 55 عاما مضت، قرارا مصريا فقط، بل كان صرخة حرية لكل شعوب العالم المحتلة . وجاء إصرار الرئيس الراحل على قرار التأميم ونجاح مصر فى الخروج من معركة العدوان الثلاثى عام 1956 بسلام وعودة قناة السويس مرة أخرى للسيادة المصرية ليمنح كافة شعوب القارة الأفريقية روحا تحررية ضد قوى الاستعمار الفرنسى - البريطانى التى لم تستطع أن تكسر شوكة مصر. وتعد قناة السويس بتاريخها الحافل الممتد 140 عاما جزءا لا يتجزأ من تاريخ مصر، وقد ضحت مصر بدماء وأرواح نحو 120 ألف شهيد مصرى واستمر الحفر عشر سنوات ..امتدت من أبريل عام 1859 وحتى افتتاحها للملاحة الدولية فى حفل مهيب على ضفاف سواحل القناة بمدينة الإسماعيلية فى 17 نوفمبر عام 1869. وقد بلغت تكلفة حفر القناة فى حينه قرابة 17 مليون جنيه وهو مبلغ عظيم من المال يعادل فى الوقت الحالى ما يقرب من 170 مليون جنيه من الذهب. وكانت القناة لدى افتتاحها بطول إجمالى 162 كيلومترا ونصف الكيلو متر وبعمق 7 أمتار ونصف المتر وعرض 52 مترا وعبرتها خلال العام الأول 140 سفينة ارتفع إلى 486 سفينة فى العام الذى تلاه. وقد تعاقبت على مصر فى خلال عصورها المختلفة محاولات حثيثة لإقامة قنوات حفرت ثم ردمت .. ولم يكتب لها البقاء .. ففى البداية كانت قناة الملك سنوسرت الثالث عام 1887 قبل الميلاد ثم قام الفرس عقب قرون من إهمال تلك القناة وردمها بواسطة ملكهم (دار الأول) بإعادة توصيل النيل بالبحيرات المرة وربطها بالبحر الأحمر بواسطة قنوات صغيرة ثم حفرها ملك الرومان (ترجان الأول) وأنشأ فرعا جديدا للنيل يبدأ من بابليون (القاهرة حاليا) لينتهى بالعباسة (الإسماعيلية حاليا) وذلك عام 100 قبل الميلاد. وفى عهد الخديوى محمد سعيد باشا، وقع على شروط مجحفة تتحملها مصر لحفر القناة بجانب تحمل أغلب التكاليف، ومن بين تلك الشروط المجحفة تحمل الحكومة المصرية لنسبة 75 % من العمالة اللازمة لحفر القناة، وتم الحصول عليها بالسخرة من القرى والنجوع بجانب إعطاء فرديناند ديليسبس المهندس الفرنسى صديق سعيد وصاحب فكرة الحفر حق الاستغلال لمدة 99 عاما وفقا لفرمان الامتياز الموقع عام 1854. وتأسست بموجبه الشركة العالمية لقناة السويس فى عام 1858 برأس مال 200 مليون فرنك فرنسى أى ما يوازى 7 ملايين و700 ألف جنيه مصرى فى ذلك الوقت بأسهم بلغ عددها 400 ألف سهم من بينها 61 ألف سهم فقط نصيب الحكومة المصرية. وفى 25 أبريل من عام 1859، بدأت أعمال الحفر للقناة من مدينة الفرما (بورسعيد) حاليا بواسطة 20 ألف عامل مصر يتم تغيرهم شهريا. وقد وفرت قناة السويس للخزانة المصرية منذ تأميمها وحتى الآن ما يزيد على 50 مليار دولار ..وتم ضخ هذه الأموال فى الاقتصاد المصرى، فى الوقت الذى لم تزد فيه إيراداتها منذ افتتاحها للملاحة الدولية وحتى تأميمها عام 1956 عن مليارين و250 مليون دولار، وبلغ نصيب مصر منها 15 مليون دولار فقط. لذا كان من الطبيعى أن يدور بخلد الرئيس الراحل عبد الناصر الاستفادة من إيرادات قناة السويس المستغلة بواسطة دول الاستعمار ..وظلت الفكرة تراوده وتلح عليه ..حتى جاءته الفرصة المواتية حين رفض البنك الدولى تمويل مشروع السد العالى فأصبح القرار الصعب الذى يواجه من خلاله قوى الاستعمار فى تحد صريح لصالح مصر .. واتخذ القرار الجرىء مساء 26 يوليو عام 1956 بميدان المنشية بالإسكندرية لإعلان تأميم القناة. وعام بعد الآخر نجحت مصر فى إدارة قناة السويس وبكفاءة بالغة وطورت مجرى القناة فى مشروعات متتالية للتطوير والتعميق والتوسعة بتكلفة بلغت 40 مليون جنيه حتى عام 1961 وصلت معها غاطس القناة إلى 37 قدما، واستمرت مراحل التطوير عقب انتصارات أكتوبر المجيدة ورفعت كميات من الرمال من قاع القناة وسطح الأرض بلغت 650 مليون متر مكعب، ولم تقف مراحل التطوير والتعميق طيلة تلك السنوات وحتى الآن لتصل بغاطس القناة الآن إلى عمق 62 قدما ..من المقرر أن تزداد لتصل إلى 66 قدما نهاية العام القادم مع نهاية آخر مراحل التطوير .