فرق شاسع بين أن تذنب ذنبا عارضا إما للحظة ضعف أو تمكُّن للشيطان منك أو لصحبة لم تحسن اختيارها أو اغترار بنفسك ودنياك أو أو أو ... ثم تتوب منه وتتطهر، وبين أن تكون مصرا إصرارا شديدا علي ذنب تفعله كل يوم بمحض إرادتك وبدون أن تشعر بأي وخز أو تأنيب من ضميرك وهذا الأمر من أخطر الأمور لعدم إحساسك بمدي الجرم وفداحة الذنب الذي قد يمحق أي ثواب تكتسبه ويحبط أي طاعة تقوم بها وهذا النوع من الذنوب قد يظل ملازما للإنسان ولا يفارقه ربما حتي يلقي ربه، ومن أمثلة تلك الذنوب : من تعوَّد علي السخرية من الآخرين، أو من يتعاطي لحوم البشر بالخوض في سيرتهم والنهش في أعراضهم ، أومن يدخن السجائر ويظنها مجرد عادة سيئة ولا يعدها من المهلكات المحرمات ، أو من يقطع صلة الرحم عامدا متعمدا لأتفه الأسباب،أو من كان المال هو حياته ولا يعرف معني الصدقة ولا قيمة التكافل والمساعدة للفقراء أو من يغش أو يدلس في تجارته ظنا منه أن هذه شطارة أو من يقصر في عمله متعللا بأن أجره منه غير كافٍ ، أو من كانت عادته النظر إلي المحرمات مطلقا العنان لشهواته وهو لايدري أن النظرة بريد الزنا بل هي زنا في حد ذاتها، أو من يكون دائم الفخر بنفسه معجبا بها ومحتقرا ما سواها ، أو من يؤدي صلاته وكأنه إنسان آلي مبرمج فلا روح ولا سكينة ولا ثمرة يخرج بها من صلاته ، أو من لا يعرف المصحف إلا في رمضان أو ربما لا يعرفه علي الإطلاق ، أو من تتناقض سلوكياته ومعاملاته مع كلامه وعذوبة لسانه ، أو من .......الخ فواحدة فقط مما سبق تكفي لنيل شهادة الرسوب أمام علام الغيوب ورب القلوب ...فلا أخطر من الإصرار علي الذنب وعدم النية للأوب والتوب . - لم يرعينيه تدمع قط أثناء صلاة التراويح بينما وجد غيره تهطل عيناه دمعا فظن في قلبه غلظة ، وفي يوم جاء سائل للمسجد فلم يعطه عطاءا جزيلا إلا هو وفي يوم آخر طلب أحد المارين بجوار المسجد المساعدة فكان أول المبادرين بها وعندما طلب إمام المسجد من المصلين أثناء الترويحة التبرع بالدم لإحدي حالات الغسيل الكلوي فكان أول المتبرعين خاصة أن فصليته تعطي لكل الفصائل ..ووووو .فنظر إليه نظرة احترام وإجلال وتيقن أن البكاء الحقيقي هو بكاء القلوب قبل العيون وتعلَّم ألا يأخذ بعدها بالمظاهر وأن يدع الخلق للخالق. - ذهبت لألقي عليه بعض كلمات التعازي لعلها تصبره فبرغم مرور ما يزيد علي شهر علي وفاة زوجته فإن من يراه يشعر بأنه تائه أو في عالم آخر ، و بمجرد جلوسي معه أخذ يحكي لي عن مآثر وأفضال زوجته واصفا لها بالملاك وكلما أفاض وأزاد أري في عينيه دموع الفراق وأحس في قلبه لوعة الأسي فانتقل شعوره تلقائيا إلي نفسي فأدمعت عيني واعتصر قلبي ومن عباراته الشجية : أن زوجته عندما علمت بمرضها بالمرض الخبيث ابتسمت في وجهه ابتسامة لم يفهم مغزاها وقتها ولكن بمرور الوقت وتوغل المرض اللعين في جميع جسدها كانت تزداد ابتساماتها اتساعا وكان عندما يسألها عن سر تلك الابتسامة كانت تقول بتلقائية ورضا بل وسعادة: ( أنا بحب ربنا وعاوزة أكون في رحابه وأنا عارفة أنه لن يخذلني وهيعوضني بجنته ... عارف .. المشتاق لحبيبه بينتظر يقابله بفارغ الصبر وأنا فرحانة والله والدنيا بالنسبة لي ولا شيئ...) ثم فاضت روحها الطاهرة إلي بارئها .... كنت عندما أقرأ تلك المواقف أو أشاهدها أشعر أن بها مبالغة ولكنني عندما سمعت من صاحبي ذلك شعرت بضآلة نفسي وروعة الإيمان في نفس المؤمنين بحق ومدي حقارة الدنيا وأنها ليست عظيمة إلا في عين المتمسك بها وما أحلي الموت إذا كان هو العائق الوحيد بين الإنسان ونيل رضوان ربه ونعيمه ..... طبعا ... من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. مع أرق تحياتي ومباركاتي بقدوم شهر رمضان المبارك وكل عام وأنتم بخير،