مصر وأفريقيا فلنعد لعلاقاتنا التي كانت يعتبر وضع خطط تفصيلية لاستعادة مصر لدورها في القارة الإفريقية وخاصة دورها مع دول حوض النيل الشرقي أحد الأولويات التي يجب أن تضعها الحكومة القادمة نصب أعينها فقد فقدت مصر عبر الأعوام الثلاثين الماضية الكثير من الوجود التأثير في القارة الإفريقية ؛ وتركنا المجال واسعا ومفتوحا أمام إسرائيل لبسط نفوذها في القارة مما أدى إلى تهديد خطير ومباشر لمصالح مصر التي وقفت في ستينيات القرن الماضي إلى جانب هذه الدول ودعمت ثوراتها ضد الاستعمار القديم وأسهمت بدور كبير في استقلالها وساعدت في مشروعات التنمية فيها ؛ ثم حدث تغير كبير في سياسة مصر الخارجية في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين أدى إلى إهمال مصر لدورها التاريخي في أفريقيا وتباعد معظم دولها عن مصر بل وصول بعضها لمرحلة العداء معها وتنفيذ مشروعات تضر بأمنها القومي ؛ لكن المتغيرات الأخيرة بعد ثورة 30 يونيو وإقرار الدستور وانتخاب الرئيس والإعداد لانتخابات البرلمان داخليا ؛ واستعادة مصر لعلاقاتها العربية القوية وعلاقاتها الدولية العالمية بشكل مؤثر ، ودعوة أثيوبيا للرئيس المنتخب لزيارتها تقدم لمصر فرصتها المنتظرة لاستعادة دورها الإفريقي كما بينت في مقالي السابق.
وفي هذا المقاول سأحاول تصور الوسائل التي ينبغي أن تقوم بها مصر لاستعادة دورها في القارة الأم فالزيارة المنتظرة للرئيس المصري لأثيوبيا بناء على دعوتها له أتصور أنها ستنتهي إلى وفاق يراعي مصالح مصر المائية ويؤدي في نفس الوقت إلى فتح باب للتعاون والتنسيق ليس مع أثيوبيا فقط ولكن مع مجموعة دول الحوض الشرقي للنيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا ورواندا وبورندي) ؛ وفي هذا النسق يجب أن تكون هناك خطط تفصيلية مسبقة لهذا التعاون ؛ ومجموعة من مشروعات التنمية المشتركة بين مصر وهذه الدول ومساعدات مصرية حقيقية خاصة في الطاقة البشرية المتخصصة في الاقتصاد والهندسة والري والطب وغيرها وزيادة التبادل التجاري بين دول الحوض ومصر وتحسين الطرق ووسائل الاتصال بمشروعات كبرى مشتركة يساهم في تمويلها القطاع الخاص مع الحكومات وتتسم بالموضوعية ودراسات الجدوى الجادة التي يقوم بها متخصصون على مستوى رفيع ؛ ومشروعات الأمن الغذائي واستغلال الثروات الطبيعية يجب أن تكون لها الأولوية في مشروعات التعاون الاقتصادي ؛ وفي مصر العديد من الشركات الخاصة والحكومية المتخصصة في هذه المجالات.
ولا يمكن إغفال عنصر تنمية وإثراء العلاقات بين الشعوب وليس الحكومات فقط فتشجيع وجود جاليات ذات عدد مناسب من هذه الدول في مصر ووجود جاليات مصرية فيها ؛ ولعل المنح الدراسية التي يمنحها الأزهر الشريف والجامعات المصرية إذا تم زيادة أعدادها لهذه الدول تسهم في وجود جاليات منها تتواصل مع الشعب المصري وطريقة حياته وتتأثر بالثقافة المصرية وتنتمي إليها يمكن أن تكون جاليات مؤثرة لهذه الدول في مصر كما أن العناصر البشرية المصرية التي ستشارك في مشروعات هذه الدول وفروع الشركات المصرية المنفذة للتبادل التجاري والعاملين فيها يمكن أن تشكل جاليات مصرية في هذه الدول تسهم كلها على الجانبين في توثيق العلاقات بين الشعوب وهي الأهم والأجدر بالتوثيق فالحكومات تتغير ولكن الشعوب باقية.
أما دور الدبلوماسية المصرية فهو دور رئيس يتمثل في رعاية هذه العلاقات بسفارات كثيفة بها ملحقون اقتصاديون وتجاريون وعماليون إلى جانب الملحقين الدبلوماسيين والعسكريين وغيرهم وعلى رأسها سفراء من المستوى الأول المتميز للإشراف على تنمية علاقاتنا بهذه الدول ؛ كما ينبغي أن تنشئ هيئة الاستعلامات المصرية مكاتب دائمة لها في هذه الدول وإنشاء مراكز ثقافية يشرف على كل منها مستشار ثقافي ذو خلفية ملعوماتية عن الدولة التي يعين بها عن شعبها وعاداتها وتقاليدها ولغتها وفنونها ؛ ويستخدم ثقافته ومؤسسته في الدعاية لمصر ونشر ثقافتها وفنونها في هذه الدول.
ولا ينبغي أن تبخل مصر على توثيق علاقاتنا بالدول الإفريقية عامة ودول حوض النيل خاصة بأي جهد أو مال فالعائد السياسي والمادي أيضا لهذه العلاقات الوثيقة سيكون أكبر كثيرا مما ينفق عليها.
فالمهم اختيار العناصر البشرية المؤمنة بأهمية علاقاتنا مع هذه الدول والقادرة على التعامل مع هذه الشعوب بحب ومودة وكرامة واحترام وتملك في نفس الوقت المهارة والمعرفة.
ومصر تملك من هذه العناصر البشرية المثقفة والمؤمنة الكثير ؛ ولكنهم لا يعرضون أنفسهم ولا يسعون ويتملقون أصحاب القرار وعلى المسئولين البحث عنهم لا انتظارهم في مكاتبهم المكيفة ؛ وهم وطنيون مخلصون مستعدون لخدمة مصر كل في مجاله.
وأنا هنا أناشدهم أن يتقدموا الصفوف ويعرضوا الرؤى والآراء ويبينوا خبراتهم للمسئولين ويتنازلوا عن كبريائهم الشخصي في سبيل خدمة الوطن وتحقيق أهدافه.
إن الطريق معد وعلينا أن نسلكه والفرصة متاحة وعلينا أن ننتهزها ، والمستقبل مشرق وعلينا أن نعمل لتحقيق آمالنا في الريادة والرخاء واستعادة دورنا في صناعة ورقي الحضارة الإنسانية.