نعم كان يعلم ..كان يعلم أن الخامس والعشرين من يناير 2011 هو يوم قد يحمل عبارة النهاية ليس فقط لحبيب العادلي وجهاز الشرطة الذي صاغه على طريقته لكنه أيضا قد يحمل عبارة النهاية للنظام الذي خدمه بإخلاص على مدار عقود ، وعندما نقول بإخلاص فإننا يجب أن نوضح حقيقة لم يلتفت إليها أحد فالمشير العجوز كان غاضبا إلى أقصي درجة وغير راض لأقصي درجة لسببين أولهما يتعلق بخطة التوريث التى تسير بمنتهي السرعة دون مبالاة لأي شئ ،أما ثاني أسباب غضب المشير فهو أقرب المقربين منه سامي عنان ، كان يدرك أن وجود سامي عنان في منصبه قد تم دون إرادة منه وأن هناك من عبث أخيرا في التراتبية القيادية داخل الجيش فلم يكن سامي عنان مؤهلا للمنصب لكن الرئاسة كانت تراه مناسبا ويمكن القول أنها فرضته فرضا على طنطاوي الذي كان ينظر له بكثير من القلق ، كان يراه غير مناسب للمنصب وكان يراه محبا للسلطة بأكثر مما يجب وهو ما تأكد بعد ذلك عندما إقترح الإنقلاب على محمد مرسي فور عزله لولا أن أثناه طنطاوي عن الأمر فقد كان طنطاوي يدرك أن مرسي والإخوان قد نجحوا فعليا في جعل الإحتكاك بين الجيش والشعب إحتمالا وارادا بينما كان عنان يميل كثيرا لإستخدام القوة التى كان يمكن أن تدخل مصر في دوامة أشبه بدوامات الدول المجاورة.
لكن رغم غضب طنطاوي كان مبارك آمنا ،ولعله كان الرئيس العربي الوحيد الذي يخلد للنوم آمنا وهو يعلم أن وزير دفاعه غاضب فطنطاوي كان عسكريا حتى النخاع منضبطا إلى أقصي مما يحتمل الأمر وهو ما مثل نقطة ضعف في الأحداث التى تلت يوم 25 يناير 2011 لكن في النهاية كان عسكريا ،غير مجدد وتوقفت معلوماته قبل عشرون عاما من الأحداث وجعل من الجيش مؤسسة بطيئة الحركة بتأثير القيادات الطاعنة في السن التى أصر عليها لكنه كان عسكريا منضبطا حتى النخاع أما السؤال هل كان يعلم طنطاوي بخطة الثورة المصرية فالإجابة هي نعم.
يملك الجيش المصري الكثير من أدوات التجسس والمتابعة كما يملك ما هو أكثر مما يملكه أي جهاز آخر داخل الدولة وهو قسم الحرب الإلكترونية ومن خلال هذا القسم يمكنك أن تدير حربا فعلية مع دولة أخرى عبر الإنترنت والتشويش على الرادار والإتصالات كما يمكن أن تمارس عمليات وقائية لحماية قواتك وأسرارك لكن في النهاية كان لدي الجيش ذلك الجهاز الذي يديره عدد كبير من المهندسين والخبراء لا يتوافر لأي جهاز آخر داخل الدولة والدول المجاور مثيلا لهم ومن خلال هؤلاء إلى جانب معلومات جهاز المخابرات الحربية مع تحليل موضوعي لمستجدات الأمور كان لدي طنطاوي تصورا كاملا عن ما يحدث وعن ماذا سيحدث ونزيد فنقول أن طنطاوي كان يملك الكثير منذ شهر ديسمبر 2010 لكن كانت هناك أزمة فعلية في الفارق بين من يملك المعلومة ومن يحتاجها.
حبيب العادلي كان يري أن الجيش المصري لا يضارع الشرطة وكان يتندر بأنه يتجسس على قيادات الجيش وأنه يعرف عنهم أكثر مما يعرفه وزير الدفاع ، حديث عابر دار بين العادلي وبين جمال مبارك كان كافيا ليوضح نمط تفكير الرجل ففي هذا الحديث أكد العادلي لجمال مبارك أنه حتى لو كان طنطاوي غير راضيا والجيش يريد الإنقلاب فإن الجيش غير قادر على ذلك واصفا إياه بأنه قد أصبح (تشريفة ) وأن من يملك القدرة على الحركة داخل المدن هي قوات الشرطة فقط وهي أيضا من يملك المعلومات. الحديث بنصه كان بين يدي طنطاوي وكان يدرك كيف يفكر وزير الداخلية وفي الإجتماع الذي سبق 25 يناير كان المشير صامتا تاركا الأمر تماما للعادلي لكن ذلك لم يمنع من أن يقدم للعادلي وضمن القنوات الرسمية ما لديه من معلومات لكنه قدمها بإعتبارها تقدير موقف للرئيس وليس للعادلي مباشرة لكن يبدو أن الرئيس الذي ترك الكثير من إختصاصاته لنجله لم يطلع على الأمر أو أنه تركه لنجله ويبدو أن العادلي كان يرى أن المعلومات المقدمة الغرض منها إحراجه وإظهاره بمظهر من لا يعرف ما يدبر له لذلك سخر من الأمر برمته مؤكدا أنه شخصيا لديه موعد هام عائلي مساء يوم 25 يناير وأنه لم يغير الموعد ولن يغيره واصفا من سينزل يوم 25 يناير بأنهم مجرد (شباب سيس ). لكن بينما كان طنطاوي يدرك ما يمكن أن تتعرض له البلاد كان مكبلا بكثير من القيود فهو غير مسموح له بالتحرك وأي تحريك للقوات قد يفسر بأنه محاولة إنقلابية ومن ناحية أخرى لم يكن طنطاوي راغبا في أن يتحرك الجيش ضد متظاهرين وكان ذلك قراره من ديسمبر.
نعم تم إتخاذ القرار من ديسمبر فوفقا لما توافر من معلومات كان هناك إدراك لأن جهاز الشرطة قد يسقط خاصة أن متابعة تدريباته تؤكد أنه قد أصبح يعتمد على الهيبة بأكثر من التدريب والكفاء القتالية وربما كان أكثر ما يثير الدهشة في الأمر أن إحصائية تم الوصول إليها حول الأمراض التى يعاني منها صغار الضباط في الشرطة كانت كافية لكي يصبح لدي الجيش قناعة بأن ضباط الشرطة لا يتلقون تدريبات قتالية بعد تخرجهم من كلية الشرطة وأن الجهاز الوحيد داخل الشرطة الذي يمارس شكلا من أشكال التدريب هو الأمن المركزي فقط ، كانت هناك قناعة بأن أقسام الشرطة قد لا تكون قادرة على الدفاع عن نفسها وقت الحاجة بسبب طول الإسترخاء وفقدانها لتعاطف الأهالي.
أما الخطة الى كان يعلم طنطاوي جيدا أنها ستنفذ فهي وبحذافيرها ما تم منذ 25 يناير وحتى 28 يناير ولم يكن هناك إعجاز في معرفة الجيش بذلك فهي سيناريو ضمن سيناريوهات ضمن ما يعرف بحروب الجيل الرابع وكان يمكن لمن يتابع إستعدادات الداعين لها على الفيسبوك أن يدرك أن هناك توجيهات وتعليمات بأشكال التعامل مع القوات لكن كانت الإدارة السياسية للبلاد مشلولة التفكير في ذلك الوقت بينما كانت الداخلية المصرية تتعامل مع الأمر بكثير من الصلف وغرور القوة.
وفي ذلك الوقت كانت هناك خرائط وخطط تدرس داخل وزارة الدفاع وكان أحد المسترجعات التاريخية لها هو ما حدث في ما سماه السادات بإنتفاضة الحرامية فقد كان رأي الكثير من قادة الجيش وقتها أن الشرطة قد تنهار كما إنهارت وقتها وأن عليهم أن يكونوا مستعدين لحماية البلاد وهو ما كان بعد ذلك. تابعونا في الحلقة القادمة. صندوق أسرار المشير الحلقة الثالثة: من فريدم هاوس ومعسكرات صربيا إلى جلسات عمر سليمان الفضائح الكاملة لنشطاء 25 يناير الذراع الليبرالي للإخوان المسلمين
رابط الحلقة الأولى http://www.mansouranews.com/news-15117