وزير التعليم: 87% من طلاب مصر يتعلمون فى التعليم الرسمى العام و13% فى الخاص    رئيس الوزراء يتابع مع وزير قطاع الأعمال العام عددا من ملفات العمل    الصحة العالمية تكشف عن 2.1 مليون شخص فى غزة يواجهون الجوع القاتل بخلاف القنابل    غياب محمد عواد عن مران الزمالك اليوم بسبب آلام الظهر    برشلونة يضم ماركوس راشفورد على سبيل الإعارة حتى 2026    ضبط واقعة التعدي على طليقته ونجلهما حال تواجدهم بأحد الأندية لتنفيذ حكم رؤية بالإسماعيلية    المفرج عنهم يشكرون الرئيس السيسي على لمّ الشمل    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل تذبح أهل غزة وعلى العلم التحرك فورا لمنع فظائعها    رئيس "إسكان النواب": تصريحات الرئيس السيسي بشأن الإيجار القديم تؤكد أنه سيصدق على القانون    سلطان عُمان يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 23 يوليو    الصين تدعم بقوة عمل اليونسكو    وسط ارتفاع وفيات المجاعة في غزة.. حماس ترد على مقترح وقف إطلاق النار    بالفيديو.. حمزة نمرة يطرح 3 أغنيات من ألبومه الجديد "قرار شخصي"    الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    أحمد سعد يتصدر تريند يوتيوب في مصر والدول العربية بأغاني "بيستهبل"    مدرب خيتافي: كنت أراهن على نجاح إبراهيم عادل في الدوري الإسباني    اقتصادي: الجيش حمى الدولة من الانهيار وبنى أسس التنمية    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    «أجبرتها على التراجع».. مروحية إيرانية تتصدى لمدمرة أمريكية في المياه الإقليمية    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    الكنيست يوافق على قرار لفرض السيادة الإسرائيلية في الضفة وغور الأردن    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    بعد تراجع 408.. تعرف على أسعار جميع سيارات بيجو موديل 2026 بمصر    من الارتفاع إلى الهبوط.. قراءة في أداء سهم "بنيان" في ثاني يوم تداول بالبورصة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    رضا البحراوي يمازح طلاب الثانوية العامة    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    على شاطئ البحر.. أحدث ظهور للفنانة بشرى والجمهور يعلق    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    ضبط 3695 قضية سرقة كهرباء خلال 24 ساعة    ضبط 30 متهما في قضايا سرقات بالقاهرة    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    طريقة عمل المكرونة بالبشاميل، بطريقة المحلات وطعم مميز    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    مرتضى منصور لحسن شحاتة: للأسف أنا مسافر ومنعزل عن العالم    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة مبارك.. الحقائق والأوهام
نشر في منصورة نيوز يوم 08 - 08 - 2011

ربما لا يمكن لي أن أضيف جديدا إلى الكم الهائل من الكتابات والتحليلات والتعليقات التي تناولت محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وكبار جلاديه وكيف كان ظهوره أمام الرأي العام في مصر والعالم بأسره، في قفص الاتهام ممدا على سريره بجوار نجليه وبعض من أركان عصابته، مشهدا تاريخيا بكل ما تعنيه كلمة تاريخي التي تم إبتذالها بشكل مريع على مدى سنوات حكم الديكتاتور التي حرصت خلالها وسائل إعلامه على وصف كل إفعاله وإقواله بانها تاريخية حتى أنه لم يبق إلا أن يمتد هذا الوصف حتى إلى دخوله الخلاء.
هذا المشهد التاريخي ربما يستمد أهميته ودلالاته العميقة باعتباره الانجاز الأبرز الذي حققته ثورة 25 يناير بعد إنجاز إجبار مبارك على التنحي عن السلطة، وبما يحمله من رسائل بالغة الوضوح لكل من يعنيهم الأمر سواء حكام مصر الجدد ما بعد الثورة أو إلى تلك الطغمة المستبدة في كثير من البلدان العربية، بأن ذلك سيكون مصير كل الطغاة والفاسدين والمستبدين في عالمنا العربي وبأن الشعب المصري الذي إسترد وعيه وحريته وبلاده وكرامتها لن يفرط في ذلك كله ولن يوقع صكا على بياض لاي حاكم أيا كان ومهما أظهر من علامات الطهر والاستقامة والوطنية . كما أنه لن يسمح ولن يتسامح مع أي حاكم قادم في أن يستهين به أو ينحرف بمقدرات هذا الوطن مرة أخرى.
غير أن حالة الإنتشاء تلك وذلك الشعور بزهو الإنتصار على مبارك وعصابته ونشوة رؤيتهم يساقون للمحاكمة ويوضعون في قفص الاتهام أمام الناس، لا يجب أن تدفعنا لتوهم أن الثورة المصرية قد وصلت الى نهايتها،وبالقدر نفسها لا يجب أن ينسينا نحن المصريين جملة من الحقائق التي ربما لا تقل أهمية بل تزيد كثيرا عن مجرد وضع هذا الديكتاتور الفاسد وبعض من إفراد عصابته في القفص:
وأول هذه ا لحقائق أن محاكمة مبارك وجلبه إلى العدالة هما مجرد مطلب من مطالب الثورة الواضحة والتي لم يتحقق منها الكثير وإبرز هذه المطالب كنس كل قاذورات نظام مبارك بالكامل تمهيدا لاقامة نظام سياسي جديد كليا في هذا الوطن الذي نكب على مدى ثلاثين سنة.
وهنا يجب الإنتباه إلى أنه بعد أكثر من ستة اشهر على الاطاحة برأس النظام وبعض أطرافه فان جسده لا يزال حاضرا وحيا في كثير من جنبات وأورقة المشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي في مصر وهو ما يعني أن الثورة لم تنجح حتى الأن في الاجهاز على النظام السابق بشكل كامل وهي مهمة تبدو بالغة الصعوبة ودونها جهد وتضحيات كثيرة يجب أن يكون الثوار وكل القوى الوطنية المخلصة في هذا البلد مستعدون وجاهزون لدفعها إذا كانت جادة فعلا في إكمال ثورتها.
- الحقيقة الثانية وهي ذات صلة وثيقة بالحقيقة الاولى، هي أن مبارك يحاكم جسدا ولكنه مازال يحكم مصر حتى الان من خلال ميراثه اللعين وظله الكريه ورؤيته البائسة وطريقته التعيسة التي غرسها في كل أنحاء الجسد المصري على طيلة سنوات حكمه، وهو ميراث يبدو أن التخلص منه لن يكون من السهولة بمكان ولن يتم بضربة واحدة بل يحتاج إلى نضال وجهاد طويلين.. وليس أدل على تغلغل هذا الميراث في مختلف تلافيف الحياة السياسية المصرية، سوى الطريقة التي تدار بها إمور البلاد والعباد في هذه المرحلة الانتقالية حاليا بدءا من تعيين المحافظين والمسؤولين والوزراء، مرورا بمعالجة ملفات بالغة الاهمية مثل ملف الاقتصاد والتعاطي مع مطالب وطموحات إبناء هذا الوطن المسحوقين وهم الغالبية العظمى وليس إنتهاء بالقرارات الخاصة بتمهيد الطريق أمام أنتقال الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي سليم . - وثالث هذه الحقائق هي خطورة حالة الاستقطاب المحزن التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حاليا بين التيارات الإسلامية باختلاف اطيافها من ناحية، والتيارات السياسية المدنية من ليبراليين ويساريين وقوميين من ناحية أخرى، وهو استقطاب بلغ ذروته في مظاهرات الجمعة قبل الماضية والتي كانت بهدف لم الشمل فاذا بها تنتهي إلى تكريس إنقسام بالغ الخطورة على الثورة المصرية العظيمة وبدرجة تهدد باجهاض هذه الثورة وكل ما حققته من مكتسبات حتى الأن.. وهذه الحقيقة تضع كل القوى الوطنية المصرية بمختلف اطيافها، أمام مسؤولية كبرى في أن تتفق على كلمة سواء تضع مصر وثورة شعبها أولا وقبل أية حسابات حزبية او فصائلية ضيقة، وأن تتنبه هذه القوى التي شاركت مجتمعة في إنجاز هذه الثورة، إلى أنها تبدو في اشتباكها وسجالها الحاد حول مستقبل هذا الوطن، تبدو كمن يتصارع على جلد الدب قبل صيده، أو كأنها كما وصفها أحد الاصدقاء مثل مقاتلي غزوة أحد تناسوا أوامر النبي الأكرم و سارعوا لاقتسام الغنائم والمغانم قبل إنتهاء المعركة فخسروا كل شئ وكانت الهزيمة .
أما الحقيقة الرابعة، فان أعداء الثورة سواء في الداخل والخارج والذين يتابعون بمشاعر الغبطة والسرور هذا الصراع الوهمي بين التيارات السياسية والقوى الثورية، لن يفوتوا فرصة ولن يتركوا وسيلة إلا وسيسلكوها لأجهاض الثورة والانقضاض عليها، أو على الاقل إنهاكها إلى الدرجة التي تمنعها من إكمال مسيرتها وتحقيق كل مطالبها. فاعداء الثورة في الداخل وهم معروفون يدركون جيدا أن وصول الثورة لنهايتها فيه نهايتهم والقضاء على كل أمل لهم في العودة بعقارب الساعة إلى الوراء من خلال سعيهم الذي يبدو الان ظاهرا للعيان، والذي يستهدف ترميم ما تبقى من جسد النظام البائد بدلا من الأجهاز عليه وسحقه تحت إقدام الثورة والثوار..أما أعداء الخارج وخصوصا في المحيط العربي والذين أحزنهم رؤية حليف وصديق وشريك لهم يوضع في قصف الإتهام مع نجليه ويهان وتهدر كرامته / حسب مفهومهم الخاص للكرامة والاهانة/ فإنهم لن يتورعوا عن القيام بأي شئ لضرب ثورة المصريين ليس فقط إنتقاما لصديقهم الديكتاتور ولكن حتى لا تمتد عدوى هذه الثورة وحتى لا يتكرر كابوس المحاكمة لبعض هؤلاء القادة الذين لا يقلون فسادا و إستبدادا عن مبارك و حكمه.
خامس الحقائق أن المتربصين بالثورة في الداخل والخارج أقوى مما يتصور البعض من المخلصين لهذه الثورة، فهم ليسوا مجرد فلول الحزب الوطني المنحل وبعض إيتام وأرامل مبارك وعصابته، بل هم جيش ضخم نما وترعرع في ظل الحكم الفاسد وكون اعضاؤه نتيجة علاقة السفاح بين رأس المال والسلطة، ثروات طائلة وشبكات نفوذ هائلة يضاف إليها إمكانات وثروات بلا حدود لدى بعض القوى الاقليمية التي تبدو مستعدة لوضع كل ما لديها للانفاق ببذخ لاجهاض الثورة . وقد بدأ هذا الجيش العرمرم يضخ جانبا من هذه الثروة الهائلة في صورة قنوات وصحف راحت تنمو وتتكاثر كالفطر مستغلة مناخ الحرية الذي أوجدته الثورة، وبينما الثوار الحقيقيون مشتبكون ومنغمسون في معارك جانبية بعيدا عن الاهداف الحقيقية للثورة، فان هذه القنوات وتلك الصحف بدأت تضخ مجموعة من البرامج والكتابات تبدو في ظاهرها مع الثورة ولكنها في حقيقيتها محاولة لاعادة إنتاج إعلام مبارك سواء من خلال ظهور بعض الوجوه التي كانت من الجنود المخلصين في حملة توريث الحكم لجمال مبارك أو من خلال توجيه طعنات مسمومة ضد هذه الثورة عبر شيطنة الثوار والتشكيك في نواياهم ومواقفهم المخلصة وتحميلهم مسؤولية الخراب والدمار الذي خلفه مبارك ونظامه، ومن هنا لم تعد مستغربة ولا مثيرة للدهشة تلك النغمة التي تسمعها كلما شاهدت برنامجا او قرأت مقالا عن الخراب الذي حل بالبلاد وعن عجلة الانتاج التي توقفت عن الدوران وكيف ان الاعتصامات والاحتجاجات التي ينظمها الثوار هي السبب وراء ذلك، إلى اخر هذه السلسلة من العهر والتضليل الاعلامي الذي يستهدف ضرب الثورة عبر تشويه صورة الثوار لدى الرأي العام في مصر وبالتالي إقامة جدار فاصل بينهم وبين الشعب ودفع الناس إلى الكفر بالثورة والثائرين .
والمحزن أن الثورة لم تصل حتى الآن للاعلام الحكومي بكل تنويعاته وصنوفه ومن هنا فانه لا يبدو صادما أنه يشارك في الوقت الحالي بضراوة في تكسير عظام الثورة وتهشيم صورتها عبر تشويه كل ما يقوم به الثوار في نضالهم لنيل مطالبهم و إنجاح ثورتهم. ومن هنا فان هذه الحقيقة تضع على الثوار مسؤولية كبرى في إعادة النظر في بعض المواقف او الخطوات غير المحسوبة سياسيا وأن يتواصلوا بشكل اكثر مباشرة وبساطة مع الشارع المصري ومع القواعد الشعبية،حتى يفوتوا الفرصة على أعداء الثورة ومنعهم من إقامة ذلك السياج الشائك بينهم وبين حاضنتهم الشعبية التي تشكل مخزونهم الاستراتيجي في أي معارك قادمة على طريق إستكمال أهداف الثورة التي ستظل منقوصة حتى حين .تلك بعض الحقائق التي يجب أن نضعها نصب أعيننا جمعيا إذا كنا فعلا جادين لاستكمال ثورتنا بعيدا عن الأوهام الكثيرة والمبالغات الخبيثة التي ربما يروجها البعض عن تعمد لئيم حينا او بحسن نية احيانا عن محاكمة مبارك وتقديمها باعتبارها منتهى الثورة وغاية المراد من رب العباد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.