استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 3170 جنيها    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    ارتفاع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الأحد 19 مايو 2024    إعلام فلسطيني: 6 شهداء بقصف على حي الدرج شرقي مدينة غزة    الكرملين: الإستعدادات جارية لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي ملف غزة    هجمات الحوثي في البحر الأحمر.. كيف تنسف سبل السلام؟    ميدو يوجه نصائح للاعبي الزمالك في نهائي الكونفدرالية    الأقوى منذ الصيف الماضي.. "مركز تغير المناخ" يٌحذر من طقس الساعات المقبلة    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    زعيمة حزب العمال الجزائري لويزة حنون تعلن ترشحها للانتخابات الرئاسية    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    حملات لإلغاء متابعة مشاهير صمتوا عن حرب غزة، أبرزهم تايلور سويفت وبيونسيه وعائلة كارداشيان    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه في هذا الموعد    الاحتلال الإسرائيلي يخوض اشتباكات في حي البرازيل برفح الفلسطينية    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    حظك اليوم برج العقرب الأحد 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    نصائح لمواجهة الرهبة والخوف من الامتحانات في نهاية العام الدراسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    ظهر بعكازين، الخطيب يطمئن على سلامة معلول بعد إصابته ( فيديو)    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    جريمة في شارع ربيع الجيزي.. شاب بين الحياة والموت ومتهمين هاربين.. ما القصة؟    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاكمة مبارك.. الحقائق والأوهام
نشر في منصورة نيوز يوم 08 - 08 - 2011

ربما لا يمكن لي أن أضيف جديدا إلى الكم الهائل من الكتابات والتحليلات والتعليقات التي تناولت محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك وكبار جلاديه وكيف كان ظهوره أمام الرأي العام في مصر والعالم بأسره، في قفص الاتهام ممدا على سريره بجوار نجليه وبعض من أركان عصابته، مشهدا تاريخيا بكل ما تعنيه كلمة تاريخي التي تم إبتذالها بشكل مريع على مدى سنوات حكم الديكتاتور التي حرصت خلالها وسائل إعلامه على وصف كل إفعاله وإقواله بانها تاريخية حتى أنه لم يبق إلا أن يمتد هذا الوصف حتى إلى دخوله الخلاء.
هذا المشهد التاريخي ربما يستمد أهميته ودلالاته العميقة باعتباره الانجاز الأبرز الذي حققته ثورة 25 يناير بعد إنجاز إجبار مبارك على التنحي عن السلطة، وبما يحمله من رسائل بالغة الوضوح لكل من يعنيهم الأمر سواء حكام مصر الجدد ما بعد الثورة أو إلى تلك الطغمة المستبدة في كثير من البلدان العربية، بأن ذلك سيكون مصير كل الطغاة والفاسدين والمستبدين في عالمنا العربي وبأن الشعب المصري الذي إسترد وعيه وحريته وبلاده وكرامتها لن يفرط في ذلك كله ولن يوقع صكا على بياض لاي حاكم أيا كان ومهما أظهر من علامات الطهر والاستقامة والوطنية . كما أنه لن يسمح ولن يتسامح مع أي حاكم قادم في أن يستهين به أو ينحرف بمقدرات هذا الوطن مرة أخرى.
غير أن حالة الإنتشاء تلك وذلك الشعور بزهو الإنتصار على مبارك وعصابته ونشوة رؤيتهم يساقون للمحاكمة ويوضعون في قفص الاتهام أمام الناس، لا يجب أن تدفعنا لتوهم أن الثورة المصرية قد وصلت الى نهايتها،وبالقدر نفسها لا يجب أن ينسينا نحن المصريين جملة من الحقائق التي ربما لا تقل أهمية بل تزيد كثيرا عن مجرد وضع هذا الديكتاتور الفاسد وبعض من إفراد عصابته في القفص:
وأول هذه ا لحقائق أن محاكمة مبارك وجلبه إلى العدالة هما مجرد مطلب من مطالب الثورة الواضحة والتي لم يتحقق منها الكثير وإبرز هذه المطالب كنس كل قاذورات نظام مبارك بالكامل تمهيدا لاقامة نظام سياسي جديد كليا في هذا الوطن الذي نكب على مدى ثلاثين سنة.
وهنا يجب الإنتباه إلى أنه بعد أكثر من ستة اشهر على الاطاحة برأس النظام وبعض أطرافه فان جسده لا يزال حاضرا وحيا في كثير من جنبات وأورقة المشهد السياسي والاقتصادي والاعلامي في مصر وهو ما يعني أن الثورة لم تنجح حتى الأن في الاجهاز على النظام السابق بشكل كامل وهي مهمة تبدو بالغة الصعوبة ودونها جهد وتضحيات كثيرة يجب أن يكون الثوار وكل القوى الوطنية المخلصة في هذا البلد مستعدون وجاهزون لدفعها إذا كانت جادة فعلا في إكمال ثورتها.
- الحقيقة الثانية وهي ذات صلة وثيقة بالحقيقة الاولى، هي أن مبارك يحاكم جسدا ولكنه مازال يحكم مصر حتى الان من خلال ميراثه اللعين وظله الكريه ورؤيته البائسة وطريقته التعيسة التي غرسها في كل أنحاء الجسد المصري على طيلة سنوات حكمه، وهو ميراث يبدو أن التخلص منه لن يكون من السهولة بمكان ولن يتم بضربة واحدة بل يحتاج إلى نضال وجهاد طويلين.. وليس أدل على تغلغل هذا الميراث في مختلف تلافيف الحياة السياسية المصرية، سوى الطريقة التي تدار بها إمور البلاد والعباد في هذه المرحلة الانتقالية حاليا بدءا من تعيين المحافظين والمسؤولين والوزراء، مرورا بمعالجة ملفات بالغة الاهمية مثل ملف الاقتصاد والتعاطي مع مطالب وطموحات إبناء هذا الوطن المسحوقين وهم الغالبية العظمى وليس إنتهاء بالقرارات الخاصة بتمهيد الطريق أمام أنتقال الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي سليم . - وثالث هذه الحقائق هي خطورة حالة الاستقطاب المحزن التي تشهدها الساحة السياسية المصرية حاليا بين التيارات الإسلامية باختلاف اطيافها من ناحية، والتيارات السياسية المدنية من ليبراليين ويساريين وقوميين من ناحية أخرى، وهو استقطاب بلغ ذروته في مظاهرات الجمعة قبل الماضية والتي كانت بهدف لم الشمل فاذا بها تنتهي إلى تكريس إنقسام بالغ الخطورة على الثورة المصرية العظيمة وبدرجة تهدد باجهاض هذه الثورة وكل ما حققته من مكتسبات حتى الأن.. وهذه الحقيقة تضع كل القوى الوطنية المصرية بمختلف اطيافها، أمام مسؤولية كبرى في أن تتفق على كلمة سواء تضع مصر وثورة شعبها أولا وقبل أية حسابات حزبية او فصائلية ضيقة، وأن تتنبه هذه القوى التي شاركت مجتمعة في إنجاز هذه الثورة، إلى أنها تبدو في اشتباكها وسجالها الحاد حول مستقبل هذا الوطن، تبدو كمن يتصارع على جلد الدب قبل صيده، أو كأنها كما وصفها أحد الاصدقاء مثل مقاتلي غزوة أحد تناسوا أوامر النبي الأكرم و سارعوا لاقتسام الغنائم والمغانم قبل إنتهاء المعركة فخسروا كل شئ وكانت الهزيمة .
أما الحقيقة الرابعة، فان أعداء الثورة سواء في الداخل والخارج والذين يتابعون بمشاعر الغبطة والسرور هذا الصراع الوهمي بين التيارات السياسية والقوى الثورية، لن يفوتوا فرصة ولن يتركوا وسيلة إلا وسيسلكوها لأجهاض الثورة والانقضاض عليها، أو على الاقل إنهاكها إلى الدرجة التي تمنعها من إكمال مسيرتها وتحقيق كل مطالبها. فاعداء الثورة في الداخل وهم معروفون يدركون جيدا أن وصول الثورة لنهايتها فيه نهايتهم والقضاء على كل أمل لهم في العودة بعقارب الساعة إلى الوراء من خلال سعيهم الذي يبدو الان ظاهرا للعيان، والذي يستهدف ترميم ما تبقى من جسد النظام البائد بدلا من الأجهاز عليه وسحقه تحت إقدام الثورة والثوار..أما أعداء الخارج وخصوصا في المحيط العربي والذين أحزنهم رؤية حليف وصديق وشريك لهم يوضع في قصف الإتهام مع نجليه ويهان وتهدر كرامته / حسب مفهومهم الخاص للكرامة والاهانة/ فإنهم لن يتورعوا عن القيام بأي شئ لضرب ثورة المصريين ليس فقط إنتقاما لصديقهم الديكتاتور ولكن حتى لا تمتد عدوى هذه الثورة وحتى لا يتكرر كابوس المحاكمة لبعض هؤلاء القادة الذين لا يقلون فسادا و إستبدادا عن مبارك و حكمه.
خامس الحقائق أن المتربصين بالثورة في الداخل والخارج أقوى مما يتصور البعض من المخلصين لهذه الثورة، فهم ليسوا مجرد فلول الحزب الوطني المنحل وبعض إيتام وأرامل مبارك وعصابته، بل هم جيش ضخم نما وترعرع في ظل الحكم الفاسد وكون اعضاؤه نتيجة علاقة السفاح بين رأس المال والسلطة، ثروات طائلة وشبكات نفوذ هائلة يضاف إليها إمكانات وثروات بلا حدود لدى بعض القوى الاقليمية التي تبدو مستعدة لوضع كل ما لديها للانفاق ببذخ لاجهاض الثورة . وقد بدأ هذا الجيش العرمرم يضخ جانبا من هذه الثروة الهائلة في صورة قنوات وصحف راحت تنمو وتتكاثر كالفطر مستغلة مناخ الحرية الذي أوجدته الثورة، وبينما الثوار الحقيقيون مشتبكون ومنغمسون في معارك جانبية بعيدا عن الاهداف الحقيقية للثورة، فان هذه القنوات وتلك الصحف بدأت تضخ مجموعة من البرامج والكتابات تبدو في ظاهرها مع الثورة ولكنها في حقيقيتها محاولة لاعادة إنتاج إعلام مبارك سواء من خلال ظهور بعض الوجوه التي كانت من الجنود المخلصين في حملة توريث الحكم لجمال مبارك أو من خلال توجيه طعنات مسمومة ضد هذه الثورة عبر شيطنة الثوار والتشكيك في نواياهم ومواقفهم المخلصة وتحميلهم مسؤولية الخراب والدمار الذي خلفه مبارك ونظامه، ومن هنا لم تعد مستغربة ولا مثيرة للدهشة تلك النغمة التي تسمعها كلما شاهدت برنامجا او قرأت مقالا عن الخراب الذي حل بالبلاد وعن عجلة الانتاج التي توقفت عن الدوران وكيف ان الاعتصامات والاحتجاجات التي ينظمها الثوار هي السبب وراء ذلك، إلى اخر هذه السلسلة من العهر والتضليل الاعلامي الذي يستهدف ضرب الثورة عبر تشويه صورة الثوار لدى الرأي العام في مصر وبالتالي إقامة جدار فاصل بينهم وبين الشعب ودفع الناس إلى الكفر بالثورة والثائرين .
والمحزن أن الثورة لم تصل حتى الآن للاعلام الحكومي بكل تنويعاته وصنوفه ومن هنا فانه لا يبدو صادما أنه يشارك في الوقت الحالي بضراوة في تكسير عظام الثورة وتهشيم صورتها عبر تشويه كل ما يقوم به الثوار في نضالهم لنيل مطالبهم و إنجاح ثورتهم. ومن هنا فان هذه الحقيقة تضع على الثوار مسؤولية كبرى في إعادة النظر في بعض المواقف او الخطوات غير المحسوبة سياسيا وأن يتواصلوا بشكل اكثر مباشرة وبساطة مع الشارع المصري ومع القواعد الشعبية،حتى يفوتوا الفرصة على أعداء الثورة ومنعهم من إقامة ذلك السياج الشائك بينهم وبين حاضنتهم الشعبية التي تشكل مخزونهم الاستراتيجي في أي معارك قادمة على طريق إستكمال أهداف الثورة التي ستظل منقوصة حتى حين .تلك بعض الحقائق التي يجب أن نضعها نصب أعيننا جمعيا إذا كنا فعلا جادين لاستكمال ثورتنا بعيدا عن الأوهام الكثيرة والمبالغات الخبيثة التي ربما يروجها البعض عن تعمد لئيم حينا او بحسن نية احيانا عن محاكمة مبارك وتقديمها باعتبارها منتهى الثورة وغاية المراد من رب العباد .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.