أنباء كثيرة تتردد عن الاستعداد لعودة النشاط الكروي من جديد، وهي عودة تكاد تكون مستحيلة إن لم يكن هناك عودة للنظام والانضباط من جديد. فلا يمكن أن يعود النشاط دون وجود لوائح وقواعد منظمة, وأولها الثواب والعقاب لكل عناصر الرياضة في مصر بدءً من الاتحادات الرياضية نفسها، والروشتة سهلة جداً، ولكن فقط بمزيد من الجهد والإلتزام. والنموذج أمامنا واضح، وهو النموذج الإنجليزي، لأن التجربة هناك كانت هي أعظم التجارب في تاريخ الرياضه بصفة عامة، وكرة القدم بصفة خاصة, فإنجلترا شهدت أكبر عدد حوادث في تاريخ كرة القدم, وذلك عندما قًتل حوالي مائة مشجع في مباراة جمعت بين ليفربول وتوتنهام في الدوري الإنجليزي. وإنجلترا أيضاً كانت صاحبة العدد الأكبر من الضحايا في مباراة ليفربول ويوفنتوس في نهائي كأس أوروبا باستاد هيسلي ببلجيكا, حيث قُتل قرابة الثمانين مشجعاً، وظن الجميع أن الكرة الإنجليزية ستختفي إلى الأبد، وأن سلوك "الهوليجانز" هناك، وهي الظاهرة التي كانت أعنف بكثير من الأولتراس لا يمكن لأحد أن يتصدى لها، ولكن لوجود إمرأة حديدية, رحلت عن عالمنا منذ أيام معدودة تسمى مارجريت تاتشر، وكانت تترأس الحكومة الإنجليزية وقتها، وأيضاً لوجود إدارة محترمة للاتحاد والدوري الإنجليزي في هذا الوقت, انقلب الحال تماماً، ولكن دعونا نعرف ماذا فعلت تاتشر وعاونها الاتحاد الإنجليزي. فتاتشر أولاً وضعت قوانين صارمه وافق عليها مجلس العموم البريطاني في أقل من شهر، هذه القوانين اشتملت على مدد للحبس تصل إلى خمس سنوات للشغب في الملاعب, وخارج الملاعب. وأيضاً طبقت قوانين منفصلة داخل ملاعب كرة القدم تعطي الحق الفوري لرجال الأمن في القبض على أي مشتبه به داخل أو حول حدود الملعب دون انتظار عمل شغب منه. كما شجعت الأندية على إلغاء كل التذاكر الموسمية لأي مشجع مشتبه به, ولعبت مباريات دون جماهير، ثم وضعت قائمة بالإشتراك مع الاتحاد الإنجليزي بأسماء وصور كل المشجعين المشاغبين ليس فقط لمنعهم من دخول الملاعب، بل لعدم ركوبهم أي وسائل مواصلات تنقلهم إلى حرم الملعب. وساعدت الاتحاد الأوروبي هي نفسها على تغليظ العقوبة المفروضة على الأندية الإنجليزية, فكانت النتيجة أن تم حرمان الأندية الإنجليزية بالكامل من المشاركة في البطولات الأوروبية لمدة خمسة أعوام متتالية, وزادها الاتحاد الإنجليزي إلى عشر سنين لفريق ليفربول عقاباً لجماهيره المشاغبه. وغيرت من طريق الأمن في الملاعب، فأصبح التواجد بالكلاب البوليسية، والخيول بل والسلاح للسيطرة على أي أحداث شغب محتملة, وزادت من أعداد قوات الأمن والقوات الخاصة، بالإضافة إلى شركات الأمن الخاصة في الملاعب. فكانت النتيجة الفورية هي عودة الانضباط والإحترام للملاعب, فلم نعد نرى حتى لافتة مسيئة لدرجة أن الهتافات السيئة خففت إلى درجة كبيرة, والأجمل أن الملاعب نفسها تغير تصميمها فأصبحت الملاعب الإنجليزية دون أسوار أو حواجز مع اللاعبين والإدارات، ومع ذلك لم نشهد حالة اقتحام واحدة للملاعب في أي مباراة من مباريات الدوري الإنجليزي بمختلف درجاته. وكل هذا لأنه تم وضع قانون ملزم للجميع, ساعد في تنفيذه الجميع، وعلى رأسهم اتحاد الكرة، وإدارات الأندية, والتي خسرت اللاعبين بسبب حرمانها من المشاركة الأوروبية. وللعلم فإن الدوري الإنجليزي هو الأعلى سعراً بين كل دوريات العالم علي مستوى البث الفضائي, ويكفي أن نعلم أن أقل فريق في الدوري الإنجليزي يحصل على ما لا يقل عن نصف مليار جنيه مصري فقط في حالة مشاركته بالدوري الممتاز الإنجليزي. هذه تجربة يجب أن نأخذ بها، ونطبقها بكل قوة في مصر بعيداً عن العواطف والبكاء والدموع، والتي جعلتنا في النهاية نذرفها نحن حزنا على فراق أبنائنا الذين راحوا ضحية للإهمال والتعصب والجري وراء بعض من الجهلة الذي نصبوا أنفسهم أوصياء أو كابوهات، كما يقولون على فتيان وشباب صغار ليس لهم ذنب، إلا لأنهم فقط يحبون ناديهم، ويشجعونه بجنون.