غريب جداً هذا التوجه السائد " في عالمنا العربي تحديداً " بالتقليل من إمكانيات جنوب أفريقيا والتشكيك بقدرتها حول استضافة الحدث الكروي الأبرز عالمياً " كأس العالم " بالعام القادم , لدرجة وصلت للبعض بتصيد الأخطاء بل إنني أحسست بتوجه أكثر قسوة وغرابة بتمني فشل تنظيم البطولة ومن قبلها كأس القارات التي تجري حالياً بالدولة ذاتها .. والسبب ؟ الله أعلم ! خرج البعض يثير الشكوك حول الملاعب التي وُصفت بغير اللائقة لاستضافة الحدث ثم حجة أخرى ظهرت مع انطلاق مباريات كأس القارات وهي إزعاج الأبواق التي تستخدمها الجماهير الجنوب أفريقية مروراً بجمهور غير عاشق لكرة القدم وذهنه معلق بالرجبي وأخيراً الحجة الأكثر واقعية وهي تدني المستوى الأمني بالبلاد وارتفاع معدلات الجريمة . بداية .. إذا استثنينا القارة الأوروبية إضافة لبعض الدول ذات الإمكانيات المادية والبشرية العالية خارج القارة العجوز سنجد كم دولة لا تمتلك سلبيات واضحة لا تجعلها مؤهلة ب " أريحية " لاستضافة الحدث الكروي بل والرياضي " إلى جانب الأولمبياد " الأبرز والأكثر جذباً ومتابعة ؟ وهل إذا تواجدت سلبيات بالدولة الجنوب أفريقية يسعى الجميع لتلافيها وتحسينها أم يصل الحد للتمني برؤية المزيد والحديث عن فشل بطولة قبل عام كامل من انطلاقها ؟ إذا بدأنا بالملاعب الجنوب أفريقية سأتعجب تماماً من النداء بعدم لياقتها , فالملاعب ممتازة سواء على صعيد التصميم والمدرجات أو على الأصعدة الداخلية التي تخص المدربين واللاعبين حيث لم تصدر شكوى واحدة من أي من أفراد المنتخبات الثمانية التي شاركت بالبطولة تخص الملاعب باستثناء شكوى بعض لاعبي المنتخب الإيطالي من أرضية أحد الملاعب وهذا الأمر وارد جداً في أفضل ستادات العالم . فأعظم ستادات الكرة الأرضية " ويمبلي " يواجه حتى الآن مشاكل حقيقية تخص أرضيته جعلت لندن تقوم من جديد بتغييرها تماماً , بخلاف مواقف أخرى حدثت ببطولات كبرى ككأس الأمم الأوروبية الأخيرة التي احتاجت لجنتها المنظمة لتغيير أرضية ثاني أهم ملاعب البطولة بالكامل نظراً لتأثرها بالأمطار وظهرت الأرضية بشكل غير لائق بواحدة من أهم مباريات البطولة بين المنتخبين الألماني والتركي ولكن لم نجد تضخيم للأمر الذي كان عادياً نظراً لعدم تواجد من يتربص بسويسرا أو يستكثر عليها تنظيم بطولة كبرى كما هو الحال مع الدولة المنتمية للقارة السمراء . ما سبق كان يخص أربعة ملاعب قديمة جرى فقط تجهيزها لاستضافة الحدث , ومع التسليم بأنها ممتازة ولائقة جداً إلا أنها لا تقارن بست ستادات جديدة جاري العمل بها من المنتظر أن تكون عند افتتاحها من أجمل وأرقى ستادات العالم . أما نقطة الأبواق فأرى الإنتقادات الموجهة إليها لا تخلو أبداً من المبالغة , فكل قارة لها شعوبها وجماهيرها وكل جمهور له عاداته وتقاليده وأساليبه في الحياة وفي التعامل وبالتالي في التشجيع . ال " سانتياجو برنابيو " معقل فريق القرن بأوروبا والملعب الذي سيستضيف نهائي دوري أبطال أوروبا نهاية هذا الموسم تستخدم جماهيره أسلوباً شبيهاً بأسلوب جماهير جنوب أفريقيا , وجميع مباريات ريال مدريد تشهد مثل هذه الأصوات بملعب يتسع لثمانين ألف مشاهد طوال زمن المباراة ولم ينتقد أحد هذا الأسلوب أو يصفه بالمزعج . وأبدى مارتشيللو ليبي مدرب أبطال العالم تفهماً كبيراً لهذه الثقافة وهذا الأسلوب في التشجيع عندما صرح بأن هذه ال " ضوضاء " جديدة عليه وعلى لاعبيه إلا أنها متناسبة مع الأجواء السائدة مكملاً حديثه بنصيحة لاعبية بالتكيف معها . أما المعدل المتوسط للحضور الجماهيري فالقارات رغم أهميتها لا تقارن أبداً بكأس العالم , ورغم ذلك فإن أسوأ حضور جماهيري بالبطولة كان بمباراة إسبانيا ونيوزيلندا التي زاد مشاهدوها من الملعب عن واحد وعشرين ألفاً من المتفرجين رغم أن هذه المباراة كانت قبل خطط اللجنة المنظمة بتوزيع بعض التذاكر مجاناً , وشاهدنا بالجولة الأخيرة للدور الأول مباراة بحجم مباراة العراق ونيوزليندا شوهدت من قبل ثلاث وعشرين ألفاً رغم أنها تزامنت مع قمة المجموعة بين أصحاب الأرض وأبطال أوروبا . وببطولة كأس العالم لن يكون صعباً إدراج خطط لتمتليء المدرجات " إن لم تمتليء تلقائياً " وهذا حدث بالفعل بكأس العالم 2002 عندما نظمت حكومتا اليابان وكوريا الجنوبية رحلات مجانية للموظفين وطلاب المدارس والجامعات والذين كان أغلبهم لا يعرف الكثير عن كرة القدم , ولازلت أتذكر موقفاً طريفاً لأحد جماهير كوريا الجنوبية الذين كانوا يقسمون أنفسهم بين تشجيع المنتخبين المتنافسين بالمباراة فهلل أحدهم لهدف بمباراة باراجواي وجنوب أفريقيا قبل أن يخبره زملاؤه بأنه ضمن المجموعة التي تشجع المنتخب الآخر ! السلبية الحقيقية التي أرى التعليق عليها حقيقياً وتحتاج للمزيد من الجهد هي انحدار المستوى الأمني , ولكن لا أعتقد تماماً أن المنظمة الأقوى والأنجح عالمياً ال " FIFA " ستغامر بأعظم بطولاتها وتتركها للفشل أو تتركها هي وجماهيرها ضحية للجرائم المختلفة . ما كان بلاتر ورفاقه ليتركون كأس العالم لجنوب أفريقيا إلا ولديهم الخطط الكافية لإنجاح هذه البطولة , ولا أعتقد أن هذه الخطط ستكون بعيدة عن الواقع في دولة من دول متقدمة جداً على الصعيد السياحي ويزورها سنوياً ما يزيد عن تسع ملايين من السياح من مختلف بلاد العالم . بالنهاية كأس العالم ستقام بجنوب أفريقيا , وليس بأي مكان آخر , وأعتقد أننا سنرى بطولة ناجحة و " جديدة " على أكثر من صعيد أهمها الجماهيري الذي يتميز به جداً الأفارقة .. لذلك بالتأكيد انتظار الإستمتاع بكرنفال كروي ممتع أفضل كثيراً من انتظار السقوط !