الفنانة الاستعراضية الراحلة نعيمة عاكف علامة بارزة من علامات الفن في تاريخ السينما والمسرح.. كانت كما يقول المثل "بنت موت" فكل حياتها في الدنيا 32 عاما قضت نصفها في الفن وهي فترة وجيزة للغاية لكنها تركت خلالها بصمة لم تقدر غيرها من الفنانات أن تحقق ما حققت نعيمة عاكف.. فقد مثلت 22 فيلما وخمسة أوبريتات مسرحية غنائية وماتت قبل أن تكمل 32 عاما فقد ولدت في 23 أكتوبر عام 1934 ورحلت عن دنيانا يوم 23 أبريل "نيسان" عام 1966 مصابة بمرض سرطان الرحم وخرج جثمانها من فيلا زوجها الثاني صلاح الدين عبدالعليم الذي انجبت منه ابنها الوحيد "حمادة" الذي يعمل الآن محاسبا في مكتب والده. كانت فيلا نعيمة عاكف تقع بشارع أبوالفدا بحي الزمالك الراقي علي بعد خمسين مترا من فيلا الراحلة أم كلثوم التي وقفت في شرفتها وهي بالملابس السوداء تبكي وتلوح لجثمان نعيمة عاكف عند مرور الجنازة من أمام بيتها وأصيبت بحالة من الحزن الشديد لفراقها فقد زارتها في الأسبوع الأخير لوفاتها وقال لها الدكتور ياسين عبدالغفار إن حالتها ميئوس منها ولن تعيش طويلا. هذه كانت نهاية نعيمة عاكف الفنانة الرقيقة والراقصة الاستعراضية والممثلة والمغنية ولاعبة الأكروبات التي منحها الرئيس جمال عبدالناصر جائزة الدولة في الفنون وكرمها الرئيس السوفيتي خروشوف عام 1959 ومنحها أرفع الأوسمة وأمر بصنع تمثال لها في متحف البولشوي في موسكو وكتابة اسمها علي قطعة من الرخام المرمر وضعت في مدخل مسرح البولشوي باعتبارها أعظم راقصة تعبيرية استعراضية في العالم. كانت هذه هي النهاية.. أما كيف كانت البداية فتعود إلي العشرينيات حيث كان هناك رجل اسمه عاكف ولد في محافظة بني سويف بصعيد مصر انجب أربعة أولاد هم محمود وأمين وعزوز وإسماعيل. تطوع الأخير "إسماعيل" بالبوليس كعسكري وعين في طنطا وهناك تزوج وانجب خمس بنات وثلاثة صبيان أكبرهم اسمه سيد اشتغل مع عمه محمود عاكف في سيرك يملكه ويطوف به الموالد ويمضي ثلاثة أشهر في مدينة طنطا بالوجه البحري التي يأتي إليها مئات الألوف من جميع أنحاء البلاد لحضور مولد سيدي أحمد البدوي. كبر سيد إسماعيل عاكف وتزوج مرتين الزوجة الأولي اسمها جميلة وانجب منها أربع بنات هن بالترتيب سيدة وتزوجت أحمد الحلو مدرب بالسيرك وفاطمة وتزوجت وسافرت أمريكا من نصف قرن ولا يعرفون عنها شيئا ونبوية وتزوجت من رجل لبناني مات في بداية الحرب الأهلية وعادت هي إلي القاهرة وماتت عام .1996 والرابعة والأخيرة "الصغري" هي نعيمة وماتت قبل شقيقاتها مع أنها كانت أكثرهن نضارة وحيوية وشقاوة وحلاوة وصحة وعافية. كان والدها قد تزوج بامرأة أخري انجب منها محمد ويعمل مدربا بالسيرك القومي وعبدالمنعم مدير شعبة بالسيرك وهو والد الممثلة هند عاكف وإخوتها إيمان وهويدا وأحمد والفنانة صابرين ابنة خالتهم زيزي وفنانة السيرك فاتن الحلو أرملة المرحوم إبراهيم الحلو. كان إسماعيل عاكف وأولاده يعيشون في مدينة طنطا ثم انتقل إسماعيل إلي القاهرة مدربا للكلاب بمدرسة البوليس "كلية الشرطة" حاليا بعد ترقيته إلي رتبة صول.. لم يأت وحده. بل أحضر معه حفيدتيه نبوية ونعيمة ليعيشا معه لم يمض به العمر طويلا فمات وأصبحت الفتاتان وحيدتين في الدنيا وكان الوالد سيد إسماعيل عاكف قد أنشأ سيركا صغيرا مع أشقائه ونزلوا إلي القاهرة ونصبوه في أرض شريف بالقرب من القلعة وشارع محمد علي وانضمت نبوية ونعيمة إلي أسرة السيرك تقدمان بعض ألعاب الجمباز والأكروبات والعقلة والترابيز والجونجلير. شاهد عروض السيرك رجل يوناني كان يملك ملهي ليليا اسمه "ملهي البوسفور" وتعاقد معهما لتقديم بعض الفقرات للزبائن مقابل جنيه شهريا. تصادف أن جاء المخرج حسين فوزي لمشاهدة المكان لتصوير أحد أفلامه وشاهد الفتاة الصغيرة "نعيمة عاكف" وهي تقدم ألعابًا خارقة وتغني وترقص وانبهر بها وجعل منها نجمة السينما الأولي في مصر وكانت نقطة تحول في حياتها. حققت نعيمة المجد حتي صنعوا لها تمثالا في مدخل مسرح البولشوي في موسكو. عائلتان في مصر اشتهرتا بألعاب السيرك وكانت كل عائلة منهما تملك سريكا وحدث بينهمها تزاوج ومصاهرة هما عائلة عاكف التي منها نعيمة عاكف واشتهرت بألعاب الهواء. الترابيز صنعوا العقلة والقذف بالأرجل. ومنها محمود وأمين وإسماعيل وعزوز عاكف.. وعائلة الحلو ومنها حسن الحلو والد محاسن الحلو وثناء ونبيل ومحمد الحلو والأخير هو الذي انجب محمد محمد الحلو وإبراهيم الحلو واشتهرت بتدريب الأسود والكلاب والدببة.. إلخ. كانت نعيمة وشقيقتها نبوية تقدمان الأكروبات في ملهي البوسفور وفي كازينو بديعة مصابني وفي سيرك عاكف. وأحيانا تغني نعيمة كفقرات ربط عند تغيير الديكور. ذات ليلة كان يسهر المخرجون الثلاثة "الأشقاء" حسين فوزي وعباس كامل وأحمد جلال "والد المخرج نادر جلال" من زوجته ماري كويني. اختارها المخرج حسين فوزي لتمثيل فيلم "العيش والملح" عام 1949 أمام المطرب الجديد سعد عبدالوهاب والمطرب محمد قنديل وبطل رفع الأثقال مختار حسين ووداد حمدي. نجح الفيلم نجاحا غير مسبوق فوقع معها حسين فوزي عقد احتكار وخلال عامين فقط أخرج وانتج لها ستة أفلام هي بالترتيب "العيش والملح- لهاليبو- بلدي وخفة- فرجت- فتاة السيرك- بابا عريس" والفيلم الأخير هو أول فيلم مصري وعربي بالألوان في تاريخ السينما.. وأثناء التصوير تزوجها حسين فوزي واستأجر لها شقة في عمارة تطل علي النيل بالعجوزة بجوار السيرك القومي حاليا الذي كان مكانه نادي الترسانة ونادي الزمالك قبل انتقالهما إلي ميت عقبة في عام .1958 وفي عام 1951 أخرج لها أنور وجدي فيلم "النمر" وقام ببطولته أمامها.. وفي عام 52 و1953 أخرج لها حسين فوزي أفلام "يا حلاوة الحب" و"جنة ونار" و"نور عيوني". وفي عام 1954 أخرج لها أنور وجدي فيلما حطم كل الإيرادات والشهرة هو "4 بنات وضابط"" بطولة أنور وجدي ونعيمة عاكف والشقيقتان رجاء وعواطف يوسف والوجه الجديد لبلبة. ومثلت في أعوام 55 و56 و1957 سلسلة أفلام أخري لحسين فوزي هي "عزيزة" أمام شكري سرحان وفريد شوقي وعماد حمدي و"بحر الغرام" أمام رشدي أباظة ويوسف وهبي و"تمر حنة" أمام رشدي أباظة وأحمد رمزي وسراج منير وفايزة أحمد و"أحبك يا حسن" أمام شكري سرحان وستيفان روستي والمطربة حورية حسن. أثناء تصوير الفيلم الأخير حدث خلاف بين نعيمة عاكف وزوجها المخرج حسين فوزي وتم الطلاق فأخرج لها كامل التلمساني فيلم "مدرسة البنات". في عام 1960 أخرج لها حسن رضا "زوج هند رستم" في ذلك الوقت فيلم "خلخال حبيبي". الفيلم التاسع عشر في حياة نعيمة عاكف هو "بياعة الجرايد" عام 1963 ويعتبر أنجح أفلامها علي الإطلاق بطولة ماجدة وسناء مظهر وليلي فوزي ويوسف شعبان ويوسف فخر الدين ومن إخراج حسن الإام.. وفيه غنت هي وماجدة وسناء مظهر الأغنية الشهيرة "أخبار- أهرام- جمهورية". في عام 1964 أخرج لها حسن الصيفي فيلم "من أجل حنفي" أمام شكري سرحان واستيفان روستي وأحمد رمزي. في تلك الفترة تزوجت المحاسب صلاح الدين عبدالعليم وانجبت منه ابنها الوحيد حمادة الذي يعمل محاسبا في مكتب والده.وفي عام 65 أخرج لها هنري بركات فيلم "أمير الدهاء" أمام محمود مرسي وفريد شوقي. في عام 1966 اشتد عليها المرض وهي تمثل فيلم "الحقيبة السوداء" إخراج حسن الصيفي الذي مرض هو الآخر وأكمل إخراج الفيلم كمال صلاح الدين وكان آخر أفلامها حيث اشتد عليها المرض وماتت في 23 أبريل 1966 وخرج جثمانها من مسكنها بشارع أبوالفدا بالزمالك وخرجت أم كلثوم إلي شرفتها وهي ترتدي ملابسها السوداء وفي يدها منديل وعلي عينيها الدموع وهي تلوح لجثمان نعيمة عاكف الذي تتقدمه الأوسمة والنياشين التي حصلت عليها من الملوك والروساء: المصري جمال عبدالناصر والسوفيتي خروشوف والأردني حسين والمغربي الملك محمد الخامس.