ما يحدث وتراه ونتابعه في مصر الآن.. هو كابوس حاولنا تجاهله قبل أن يحدث.. وإن كان قد فاق التوقع فإننا نخشي علي ما هو قادم أن يكون أكبر. البعض يراه انه نتاج احباطات ثورة لم تستكمل أهدافها نتيجة اختلاف الرفاق علي حجم الأدوار. تصل فعليا الي تناقض القناعات وتضارب الرؤي.. بل تصل في بعضها الي تصارع الأيد ولوجيات. * المناسبة التي فجرت ما كان راكدا من هذه الصراعات الي مسرح المواجهات. تزامن فيها الاحتفال بذكري ثورة 25 يناير. البعض يتذكر المكاسب.. والآخر بالخوف علي ثورة يراها تضيع وتتسرب أهدافها في كل مرة يحاول فيها انتزاع ولو بعض هذه الأهداف. * ولكن ما زاد من شدة الانفجار وفداحة نتائج الصدام هو صدور الأحكام الرادعة في قضية مذبحة بورسعيد والتي صاحب صدورها وقبلها. كثير من الأحداث المفاجئة واللفظ حول آثار صدور قرار النيابة باحالة نتائج لجنة تقصي الحقائق الي المحكمة لتري ما تراه بشأنها. وتوقع الكثيرون تأجيل جلسة النطق بالحكم.. وتمادي البعض الي حد احتمال تنحي هيئة المحكمة نتيجة الشعور بالحرج من كثرة الضغوط.. ولكن جاءت الجلسة يوم 26 يناير وتقضي في حكم تاريخي باجماع الآراء باحالة 21 متهما الي فضيلة المفتي وتأجيل الحكم بشأن باقي المتهمين الي جلسة 9 مارس .2013 * وتنطلق مع الحكم كل المشاعر المكبوتة في صدور من كانوا ينتظرون القصاص العادل لأرواح 74 شهيدا الذي أشاع الرضا والارتياح في صدور أسر الشهداء والملايين ممن راعهم هذه الجريمة الكارثية المروعة التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الانساني. * ولكن وبالمقابل أشاعت حالة من الغضب الهائل في صفوف أسر المتهمين وذويهم.. وكل من تصور عبر سنة كاملة من التداول السياسي الخاطيء. أن الحكم قد طال مدينة بورسعيد وأهلها وهذا بالطبع غير صحيح تماما وما كان ينبغي أن يتم الربط بين الحادث والمكان من الأساس. وما كان يجب الانسياق الي أن بورسعيد المدينة وأهلها مسئولون عما ارتكبه بعض المجرمين علي أرضها. وقلت مرارا لمن أراد الربط بين المدينة والجريمة. ان سوء حظ بورسعيد انها كانت مسرحا لهذه الكارثة الاجرامية. وليس بالضرورة أن تكون مسئولة عنها. ولكنها السياسة الملعونة التي استدرج فيها بعض السياسيين من أهلها. اسم المدينة الباسلة للضغط لتجاوز الجريمة في محاولة ممجوجة لإبراء المتهمين أو تخفيف الأحكام عنهم دون الاهتمام بابراء المدينة نفسها والنأي بها عن مسئولية هذه الجريمة. * فان كان الانفجار هائلا فذلك للربط غير المسئول بين المكان.. والحدث. بين بورسعيد وأهلها.. وبين الجريمة الكارثية. وعلينا جميعا أن نتقي الله في دماء أبنائنا.. أينما كانوا في بورسعيد فالمجرمون الذي أكد الحكم الناجز عن مسئوليتهم قد نالوا جزاءهم باجماع الآراء. أما بورسعيد وأهلها فلا ينبغي أن يدفعوا ثمنا لجريمة شاء حظهم التعس أن تقع علي أرضهم. * نعم للقصاص من المجرمين.. ولا والف لا للمدينة مكانا.. وأهلا! وعلينا جميعا أن نتقي الله في دماء أبنائنا في كل مكان سواء في بورسعيد أو السويس أو الاسماعيلية أو القاهرة أو الاسكندرية.. أو أي مكان علي أرض مصر التي يجب أن نبقي عليها آمنة.. والمسئولية علينا جميعا حكاما كنا أو معارضة.. أم شعبا بأسره. الدم المصري الذي كان غاليا.. كيف بات رخيصا.. "والله يجازي من كان السبب". * قد لا نعلمهم كلهم.. ولكن الله يعلمهم!! فإن كنا لا نخشي حساب التاريخ.. فماذا سنفعل في حساب الله سبحانه؟