يأتي عليكَ يومٌ تتمنى أن تتعرف على أحدٍ من الناس، سواء كان شاباً أو فتاة، وتجلس تفكر كيف ستبدأ بالكلام؟، يومٌ تجد نفسك تقول لن أبدأ أنا.. سأتركه لأنَّه كما يقولون"التُقل صنعة"، ويومٌ آخر تقودك نفسك حتى تتعرف عليه . وهذا ما حدث معي اليوم؛ رأيت شاباً أردت التعرف عليه، وبشجاعةٍ لم أعهدها، وكسرٍ لكل حواجز شخصيتي المعتادة.. وقفت أمامه وقلت: "لو سمحت معاك محاضرة الدكتور محمد"، نظر إليَّ نظرةً عجيبةً لا يمكن تفسيرها وقال: "ما كتبتهاش".. ثم ذهب من أمامي كأنِّي لم أكن . شعرت بالإحراج الشديد، وأنَّ هناك من بداخلي يريد أن يصرخ في وجهي: "إيه اللي هببتيه ده.. ما لقتيش غير ده اللي تكلميه"، ولكنني لم أعِر لذاك الشعور اهتماماً، فذهبت إلى المدرج لحضور محاضرة أخرى ووجدته خلفي، أردت أن أُبرر لنفسي أنني لم أفعل شيئاً يهينني، وأنَّ ما حدث كان قلة ذوق منه.. فبدأت بالكلام . "لو سمحت..لو سمحت".. كررتها ربما أربع أو خمس مرات لا أذكر، فنظر إليَّ نظرته التي ذكرتها قبلاً وقال بصوتٍ أكاد لا أسمعه: "نعم".. "كنت عايزة منك...!!"، فقال متعجلاً: "يا محمد استنى أنا عايزك" وذهب من أمامي . في تلك اللحظة تأكدت أنني ارتكب خطأً في حق نفسي، ولكن لا أدري لماذا كنت أُردد في عقلي "إهانة بإهانة.. والله مانا سايباك"، كنت أريد فقط أن أستعيد ماء وجهي الذي فقدته . وانتظرته يوماً آخر.. حتى أتى، قررت أنني لن أتكلم معه وكأنَّ شيئاً لم يحدث، فوجدته أمامي وأصدقاءه حوله فلم أستطع أن أتجاهله، فتقدمت حتى أستعيد ما فُرط من كرامتي، وقفت أمامه.. ينظر إليَّ نظرته المعتادة.. "لو سمحت".. "نعم"، "معلش أنا عارفة إنْ أنا غلست عليك كتير، بس كنت عايزة أقولك كلمة واحدة بس".. "إيه هي"، "إنت رخم" . وابتعدت عنه فلاحقني وصوته خلفي يناديني: "يا دكتورة.. يا دكتورة"، أعادها ربما أربع أو خمس مرات لا أذكر، توقفت: "نعم".. بصوت يكاد لا يسمع، "هو إنتي..."، "يا منة استني أنا عايزاكي"، واختفيت من أمامه مع ابتسامةٍ عريضةٍ، وشعورٍ بالنصر .