ظلم... ظلم.. ما يفعله منذ أن استيقظ من نومه ظلم..كله وأغلب هذا الظلم تسببت فيه المدرسة...نعم، هي السبب.. منذ أن ذهب إليها من أربعة أعوام مضت، وهو ملزم أن يستيقظ كل يوم في السابعة صباحاً.. ''رتب سريرك''.. '' اشرب اللبن''.. آه من ذلك اللبن.. أساطير تحكيها له أمه عن ذلك المشروب السحري الذي سيجعل منه هرقل.. هذا فضلاً عن فوائده العديدة للمخ والعظام و..و.. ولكن مهلا، إذا كان اللبن بهذه القوة لماذا لا يشربه والديه أيضاً.. لا يشربون سوى الشاي والقهوة... هل بسبب مذاقه؟.. إنه لا يطاق. لازالت والدته تقنعه بأنها وضعت سبع ملاعق سكر.. صادقة، ولكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً سيظل طعمه لبناً.. بسكر.. حمل حقيبته المثقلة بأغلب كتبه، وتقوس ظهره وكأنه يحمل هم الدنيا على ظهره.. الآن فقط أدرك معنى مقولة سمعها في ذلك المسلسل التاريخي.. ( مكره أخاك لا بطل) نعم إنه ليس بطلاً لحمل الأثقال.. ولكنه ذلك الجدول الغريب.. جدول الحصص..منذ التحاقه بالمدرسة وهو يحاول أن يعرف لماذا سمي جدولاً بالرغم من أنه يتغير. '' محروم من المصروف اليوم أيضاً وأنت تعرف السبب''.. لم يلتفت لعبارة أبيه وهو يخرج من باب البيت مسرعاً وكأنما اعتادها. يطلبون منه عمل ألف شىء قبل أن يذهب إلى المدرسة ثم يتهمونه بالتأخير.. ظلم رهيب ذلك الذي يتعرض له يومياً.. واستبداد... ما معنى استبداد أساساً؟.. الظلم والاستبداد.. هو يسمعها هكذا.. يجب أن يفعل شيئاً في مواجهة هذا الظلم لايمكن أن يقف مكتوف الأيدي.. أبطأ من عَدوه قليلاً وأخذ يلهث بعض الشىء.. توقف ليعدل حزام حقيبته على كتفه والتفت عن يمينه ويساره كما أوصته أمه وعبر الشارع.. ''احترس يابني'' احترس من ماذا؟.. لا توجد سيارات! فوجئ برجل طويل القامة يمسك بيده ويعبر به الشارع ما هذه الدكتاتورية التي يتعامل بها الكبارمعه؟ يتحكمون في كل شىء.. ألا يكفيه الوصايا العشر التي توصيه بها أمه في كل مرة يفتح فيها باب المنزل ويخرج.. وكأن ينقصه أن يمسك هذا الرجل بيده ويعبر به الطريق.. ثم ما هذه القبعة التي يضعها على رأسه.. يبدو أنه أصلع.. صديق والده أيضاً يضع مثيلتها ليخفي هذا اللمعان الذي ينعكس عن رأسه إذا خلعها ليجفف عرقه.. شىء غريب حقاً.. لماذا يخجلون من خلقة ربهم التي يوبخوننا عندما نسخر منها.. أنانية ... أنانية وظلم واستبداد ... لابد أن يعرف معنى الاستبداد.. خطا خطوة أخرى طويلة قفز بها إلى الرصيف المقابل.. وربت الرجل على كتفه وهو يترك يده ويبتسم في وجه.. منحه ابتسامة باهتة لم ينتبه إليها الرجل.. ومضى في طريقه وقد بدت مدرسته على بعد أمتار.. من يظن ذلك الرجل نفسه.. سوبرمان أنقذ طفلاً .. ضرب حجراً بقدمه وكأنما وجد شيئا ينفث فيه غيظه.. '' لا تضرب الأحجار بحذائك حتى لا يتلف'' .. ظلم.. وقهر، حتى غيظه لا يستطيع أن يخرجه.. من يحتمل.. يجب أن يواجه هذا.. اقترب كثيراً من باب المدرسة.. وتوقف.. لقد نسى نفسه وتأخر وأغلقت البوابة.. لا يهم.. سيعطي البواب بضعة قروش من مصروفه.. توقف تفكيره عندما لمست يده قاع جيبه دون أن تصادف أية نقود تذكر.. مشكلة بالفعل. لا ليست مشكلة سيقفز من ذلك الجزء المكسور من سور المدرسة.. لقد رأى ذلك في الكثير من الأفلام .. ولكن ماذا لو كشفه الناظر؟.. أو أحد مدرسيه؟.. آه لو كشفه مدرس الحساب!.. سيمسكها له كذلة.. يالخبثه.. وبالتأكيد سيحرجه أمام ''رانيا''.. زميلته.. إنه خبيث ومتكبر أيضاً ويتعمد إظهاره بمظهر الغبي أمامها عندما يمنحه المسائل المعقدة التي لا حل لها.. ولكن ''رانيا'' ليست زميلته.. صحيح أنها في فصله وتجلس على المقعد المقابل له ولكن في الصف الأيمن.. وأحياناً تنظر إليه نظرات تفرحه، ولكنها لم تصل بعد لدرجة زميلته.. كما يتمنى ذلك.. يتمناه بالرغم من أنه لا يعرف ما سيقوله عندما تصبح زميلته.. فقط كيفية كونها زميلته. '' ليس هذا وقت العواطف'' قالها لنفسه وهو يتشبث بالجدار ويدفع قدمه في كوة في الجدار ويقفز إلي أعلى السور ثم توقف مرة أخرى.. ماذا سيفعل حقاً إذا قابل أحداً؟.. سيهرب.. أم يقفز مرة أخرى؟ '' الثورة'' لم يعرف لماذا أتت تلك الفكرة في هذا الوقت بالذات.. مؤكد أن الظلم الذي تعرض له زاد عن الحد ويجب أن يقوم بشىء مثل.. الانتفاضة.. نعم الانتفاضة التي يسمعها كل يوم في الأخبار ويرى أطفال فلسطينالمحتلة يقومون بأعمال بطولية في مواجهة الأشرار.. والده أخبره بذلك أيضاً.. إنهم يثورون على أناس يتحكمون فيهم بدون وجه حق تماماً كما يحدث معه.. فما الذي يمنعه من أن يفعل مثلهم.. وسيبدأ من المدرسة.. استقرت الفكرة في أعماقه.. قفز.. وما إن اعتدل حتى تحرك بضع خطوات. ''قف مكانك'' تسمرت قدماه ونظر خلفه دون أن يحرك نصفه السفلي وعرف من.. الناظر.. هل حان وقت الثورة؟.. ولكن مهلاً.. ما ذلك الشىء الذي يحركه الناظر خلف ظهره.. خشى أن تكون.. لوح الناظر بتلك العصا المغلفه بشريط لاصق ويقارب طولها المترين.. لقد جربها كثيراً.. ولكن ماذا عن الانتفاضة؟.. وتحرك.. وأطلق ساقيه للريح والمدير من خلفه.. ركض بأقصى سرعة والحقيبة تتأرجح بقوة على ظهره المقوس من ثقلها.. كل ما يهمه هو أن ينجو.. وأدرك الحقيقة.. يجب أن يستمع إلى أوامر الكبار.. واستبدادهم... بالرغم من أنه لا يعرف معنى الاستبداد... سيتحمل ظلمهم.. مؤقتاً ... وفي وقت ما .. سيتمرد.. وسينجح التمرد ... والثورة.. أما في هذا الوقت..فصعب.. صعب جداً.. لن يتمكن من القيام بالانتفاضة.. أي انتفاضة... كلمتنا – نوفمبر 2001