عشت مع نفسى فى مقال أمس وتصورت الدكتور عصام شرف وهو يغسل وجهه بالماء عقب إصدار البيان الأول.. وكيف أنه قد يكون وقف أمام المرآة بينما المياه تقطر من ذقنه.. والأفكار تقطر من ذهنه.. مستمعا إلى صوت ضميره الداخلى وهو يعاتبه ويقطمه على هذا البيان الذى ينبغى أن يكون أكثر حسما.. وكيف أن هذا التأنيب الضميرى بالإضافة إلى ذلك الضغط الشعبى العارم والغاضب والمحيط بسفارة السوء مطالبا بطرد السفير الإسرائيلى وإنزال علم العدو قد يكونان وراء إضافة ذلك التعديل الخاص بسحب مصر سفيرها.. نمت على هذا الأساس.. واستيقظت لأجد نفسى بصدد حقائق أخرى غير تلك التى نمت على أساسها.. فمصر لم تسحب سفيرها ولا حاجة.. وما قرأناه فى تعديل بيان مجلس الوزراء طلع مش تعديل ولا حاجة.. طلعت مسودة.. مجرد مسودة واتنشرت غلط.. عنها واشتعل الفيسبوك وتويتر بالغليان والسخرية والإفيهات.. «شرف مش بتاع بيانات.. شرف بتاع مسودات».. «المسودة لا تزال فى جيبى».. «فى بيتنا مسودة».. «رب مسودة خير من ألف بيان».. «انتبه.. المسودة ترجع إلى الخلف».. «أبى فوق المسودة»! ولكن.. هل يكون ما حدث من تسريب للتعديل فى الفجر ثم تكذيب له فى الصباح والادعاء بأنه كان مجرد مسودة.. حركاية من الدبلوماسية المصرية.. وبالونة اختبار لقياس رد الفعل الإسرائيلى عقب التلويح بالتصعيد للوقوف على الشكل الأمثل الذى ينبغى أن يتخذه ذلك التصعيد قبل البدء فيه بالفعل؟! أدعو الله أن يكون الأمر كذلك.. فعلى الرغم من أن سحب السفير المصرى لا يعد تصعيدا للأحداث بقدر ما يعد رد فعل طبيعيا ومنطقيا وعاديا وأضعف الإيمان.. فإنه وعلى الرغم من ذلك يعد أرحم بكتير من حكاية المسودة اللى اتنشرت غلط دى.. ماهياش ناقصة سواد يا جدعان! و يمكننا أيضا أن نذهب فى ما يخص السواد والمسودات إلى مدى أبعد.. فإذا كان النشر الخطأ للمسودة قد أتى بتلك النتيجة الهزيلة التى تعامل معها الإعلام بوصفها اعتذارا على الرغم من أنها ليست اعتذارا ولا حاجة.. فكل ما فعله باراك هو أن أعرب عن أسفه.. وهذا هو ما يمكن أن نفعله نحن تجاه الصومال مثلا.. نعرب عن أسفنا لما آلت إليه أحوالها.. إنه ليس اعتذارا.. إنه مواساة.. ليس أكثر ولا أقل.. طب ماذا بقى لو أن المسودة التى تم نشرها عن طريق الخطأ كانت مثلا مسودة شن الحرب على إسرائيل.. كيف كان يمكن أن يكون الوضع حينها؟! هل كنا حنلحق بسرعة الجيش الإسرائيلى قبل تحركه من ثكناته.. «إشطة يا كاوركات.. دى كانت مسودة واتنشرت غلط.. حنشمبركم كده كده طبعا.. بس مش دلوقتى.. بالسلامة انتو».. فالجيش الإسرائيلى يرد.. «آآآه.. طب لا مؤاخذة يا جماعة.. حصل خير.. نشد إحنا بقى.. شالوم»؟! إذن.. أشدت بتعديل البيان ثم نمت واستيقظت لأجد البيان مااتعدلش.. ثم توقعت عدم اعتذار إسرائيل من منطلق ما نعرفه عنها من كونها رخمة، ثم نمت واستيقظت لأجدها بالفعل قد أعربت عن أسفها بس «لم تعتذر» من منطلق ما نعرفه عنها من كونها مراوغة.. وبناء عليه.. وبما أنها ما جاتش على المسودة بتاعتى أنا يعنى.. دعونى فى تلك الظروف العصيبة التى تمر بها الأمة أخبركم الحقيقة يا جماعة.. هذه المقالة التى قرأتموها بالأمس -والتى بُنيت فى الأساس على ذلك التعديل الذى أضيف للبيان، الذى ظهر فى الصباح أنه كان مجرد مسودة- كانت هى الأخرى مسودة.. فكما أنه ما بنى على باطل فهو باطل.. فإنه أيضا ما بنى على مسودة.. فهو مسودة! وبعيدا عن كل تلك الهرتلة المسودة.. تظل هناك حقائق ثابتة لا مجال لتكذيبها أو نفيها فى الصباح.. حقائق مذهلة مثل أن شابا مصريا اسمه أحمد الشحات تسلق العمارة التى تقبع بها السفارة من الخارج شأنه فى ذلك شأن أى رجل عنكبوت محترم.. وانتزع العلم الإسرائيلى وأحرقه ووضع بدلا منه العلم المصرى.. تلك حقيقة مؤكدة رأيناها بأم أعيننا.. حقيقة لن يستطيع مجلس الوزراء أن ينفيها فى الصباح ليخبرنا أنه.. «معلش يا جماعة.. دى كانت مسودة»!