لنكن واقعيين.. تبدو تسمية من تجاوز الثلاثين شابا مبالغة.. قبل الثلاثين أنت شاب لأنك بعد أن تتجاوزها ستكتشف أن «الفونبوك» في موبايلك يحتوي على اسم طبيب واحد على الأقل تلجأ إليه بانتظام، هو على أدنى تقدير طبيب أسنان، حيث بدأت تعي سر إلحاح الأم الذي يبدو كزنة اللمبة النيون «غسلت أسنانك؟» ربما يكون طبيب عيون وفي حالات متقدمة ربما تسجل رقم طبيب تتابع معه من آن لآخر موضوع ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم بلا مبرر أو اضطرابات القولون العصبي، تحتفظ، بالقرب منك دائما، بعلبة فوار أو أقراص للحموضة.. ربما شريط «بانادول فلو» لنزلات البرد التي تهاجمك بسرعة لضعف مناعتك ربما «بانادول إكسترا» للصداع النصفي، ضيفك الثقيل .. قل لي كيف يمكنك أن تقول لي إنك «لسه شاب»؟ قبل الثلاثين أنت شاب لأنك بعد أن تتجاوزها ستكتشف أن هناك شعرة بيضاء تطل من بين سوالفك أو مقدمة جبهتك، وربما شاربك، لأنه عند هذه السن يبدأ إفراز الجسم لمادة الميلانين يتراجع، وهي المادة التي تلون شعرك باللون الأسود، فينمو الشعر بلا لون إلا لون الكرياتين (المادة التي يتكون منها الشعر). ويقول الطب النفسي إنك عندما تتجاوز الثلاثين ستضع بنفسك اللبنة الأولى في المرض النفسي الشائع في هذه السن.. الانفصام البارانوي وأعراضه الاضطراب الفكري المبني على الشكوك بمصاحبة نوبات من جنون العظمة والهلاوس السمعية. بعد الثلاثين سيطالبك المجتمع بإنجاز ما، ولو حتى بإنجاز مماثل لإنجاز السلاحف البحرية في سن الثلاثين، ففي هذه السن تبدأ هذه السلاحف في وضع بيضها مرة كل 3 سنوات على الأقل، وما لم تفعل تصبح الحاجة ملحة لتدخل جراحي لاستخراج هذا البيض، وإلا ستصبح السلحفاة منبوذة يتخلى عنها أقرانها بالتدريج لتعيش في وحدة قارسة أو تبحث لنفسها عن لقمة عيش مع أي تجمع لكلاب البحر. قبل الثلاثين أنت الحياة بكل ما تعني الكلمة، تمتلك ناصية الكوكب، جنونك وجنون أفكار يلتمس المجتمع له الأعذار دائما، بل أحيانا يدفعك دفعا نحوها، أتضامن مع المجتمع في هذه النقطة، وأقول لك أرجوك قبل أن تصل إلى الثلاثين مد خطوط أحلامك المستقيمة إلى آخرها، بكل ما تمتلكه من طموح، احلم بالمستحيل فربما يتحقق، أنت في الفترة التي لن يضيرك فيها إن «طبقت صاحي 3 أيام» لتعمل أو لتقرأ أو لتكتشف أو لتتأمل، أنت في الفترة التي لن يمنعك فيها أحد من أن تحمل حقيبتك فوق كتفك وترمي نفسك في أي وسيلة مواصلات متجهة إلى أي مكان في العالم دون زوجة تشعر بالتأنيب أنك هجرتها من أجل رحلة مجنونة، أما أهلك فيسعدهم أن يستريحوا من المولد اللي عامله في البيت ليومين أو أكثر، أنت في فترة ذات أقل التزامات مادية حقيقية تعيقك عن أن تنفق أموالك من أجل حلم يبدأ بشراء فانلة برشلونة الأصلية وينتهي بتنفيذ فكرة اختراع، أنت في السن التي لن يحاسبك أحد فيها إذا غيرت مهنتك عشرات المرات، سيفرح الجميع في كل الأحوال إن شاهدوك في هذه الفترة سعيدا بما تفعله ومنطلقا وتختبر الحياة وتراكم خبرات في شتى الأمور، أنت في السن التي يمكنك فيها أن تجلس بين الألتراس في المدرجات بالبنطلون فقط، صحيح هتاخد لك كلمتين من الكبار الكلاسيكيين، لكن إذا فعلتها في سن أكبر لن يعبرك أحد.. سيكون الكلام وقتها خسارة فيك. عند الثلاثين ستبدأ مرحلة أخرى برصيد يجب أن يكون كبيرا في محبة الحياة، يقول الصينيون في العشرين بداية الرحلة، وفي الثلاثين المعرفة، وفي الأربعين المال، وفي الخمسين الفخر، وفي الستين الرضا، وفي السبعين سر السعادة. لا بد أن تعيش حياتك بأقصى طاقة حتى تدخل الثلاثين محملا بالمعرفة كما قال الصينيون، في الثلاثين ستختلف الأمور، في الثلاثين أصبح السيد المسيح معلما وبدأ الوعظ والتعليم، وفي الثلاثين عين أحمد زويل أستاذا للفيزياء الكيميائية في كاليفورنيا، وقال صمويل بيكيت «في الثلاثين شعرت كأنني امتلكت فجأة عينين»، سن الثلاثين هو سن بداية ممارسة الحياة السياسية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ويقول الروائي الشهير ميلان كونديرا «ظللت حتى الثلاثين أكتب شعرا وموسيقى ومسرحا وأمثل وأغني.. كنت أبحث عن ذاتي حتى كتبت الرواية»، في سن الثلاثين كان جمال عبد الناصر يخطط لثورة، ويقول الطبيب الإنجليزي دايان يانكس «كلما كانت حياتك مشعة ومليئة بالخبرات قبل الثلاثين، زادت لديك قوة مقاومة عوامل الاكتئاب». إذن أنت شاب حتى تصل الثلاثين، واسمعها من شخص في منتصف الثلاثينيات، عش حياتك ولا تخف ولا تؤجل ولا تتردد لأنك ستكتشف فجأة بعد أن تتجاوز الثلاثين أنك «نصف شاب.. نصف رجل» يسير في صحراء الربع الخالي وبوصلته التي تدله على الطريق هي كل ما عاشه وعرفه من قبل