جاءت ثورة يناير بمفاجآت كثيرة, ولكن أهم ما جاءت به كان أن المجتمع المصري بات عليه أن يواجه نفسه. الآن لدينا نوعان من المظاهرات تعبر عن المجتمع الدمياطي المتميز بعلمه, وقدراته الصناعية المنظمة في صناعات متنوعة: الأول مظاهرات عنيفة مصممة علي إزاحة مصنع موبكو للسماد من المدينة, وإلا سوف يكون الثمن هو إغلاق ميناء المدينة بالقوة. والثاني مظاهرات تجري أمام مجلس الوزراء تحتج علي وقف العمل بالمصنع, وتطالب بفتحه باعتباره واحدا من أعمدة الاقتصاد القومي. لاحظ هنا أولا أن جميع الأحزاب المصرية المشاركة في الانتخابات ولديها كما تدعي برامج اقتصادية لم تحدد موقفها من الأزمة الكبيرة بل إنها لم تقم بتعريفها. ولاحظ ثانيا أن أهل مدينة دمياط بعد أن تم استرضاؤهم بوقف العمل في المصنع كان هجومهم علي الميناء وليس علي أي شيء آخر. هنا يتكشف لنا وجود انقسام داخل المحافظة المتميزة حول تعريف ذاتها, ومشروع مستقبلها, فما لدينا من مظاهرات متعارضة هي في حقيقتها تستند إلي مشروع لدمياط يقوم علي ما كانت عليه منذ مئات السنين كمدينة للحرفيين والإنتاج العائلي للأثاث والمفروشات والجبن والمشبك, وأنواع أخري من الحلوي والمفروشات. كلها يتم إنتاجها من خلال العائلة, والورشة, مع بعض التحسينات التكنولوجية الجديدة. وبمثل هذه الطريقة يمكن للمدينة أن تضيف مصادر أخري للرزق تستند إلي العقارات والمناطق السياحية والفنادق التي تمتد إلي مصيف رأس البر. وجهة النظر الأخري, والتي جاءت أصولها من القاهرة وبعض الدمايطة هي استغلال الموهبة الصناعية لأهل المدينة لتحويلها إلي مدينة ومحافظة صناعية كبري تقوم علي الإنتاج الكبير والشركات الكبري. هنا لا توجد حرفة ولا ورشة ولا عائلة, وإنما شركات لها أسهم وتنتج للسوق المحلية والعالمية علي طريقة الإنتاج الكبير, واعتمادا علي تكنولوجيات صناعية متقدمة. وحتي يحدث ذلك كان لا بد من ميناء كبير يفيد مصر كلها, ولكن الأهم من ذلك دمياط في المقدمة عندما تكون محافظة صناعية كبري لها منطقة صناعية يشار لها بالبنان. هذه هي المسألة التي تعبر عن وجهتي نظر لكل منهما أصحاب مصالح ورؤي للحاضر والمستقبل. وللأسف فإنه لم توجد أبدا الأدوات السياسية ولا الاقتصادية التي تسمح بالحوار بين أصحاب وجهات النظر هذه, لأن واحدة منها كانت مهيمنة في دمياط والأخري كانت مسيطرة في القاهرة ضمن المخطط العام لتنمية مصر الذي كان متصورا آنذاك. مثل ذلك يحل في الدول الأخري من خلال ما يسمي باللامركزية, وهذه قصة الغد!.