"قرب.. قرب.. قرب"، "مع النشان أنت الكسبان"، هكذا تنادى "نوسة" بأعلى صوتها وهى مُمسكة ببندقية بلاستيك وتشير إلى عربة نيشان قديمة تكاد تخطف بصرك من كثرة الأضواء التى تزينها. يزاحم "نوسة"، أجساد الجموع الذين اعتادوا الحضور كل عام إلى شارع السد، حيث الاحتفالات بمولد السيدة زينب وذلك للتبارى فيما بينهم حول قدرتهم على "التنشين"، وكلما أصابت الطلقات هدفها الذى يكون عبارة عن "بُمبة" صغيرة ترتفع صيحات الشباب ويرتفع معها صوت "نوسة" بحماس مفتعل "تعالى هنا.. تعالى عندنا" فى محاولة لجذب المزيد من الشباب للدخول فى منافسات ساخنة يكون الفائز الوحيد فيها هو "عربة نوسة". ووسط كل ألعاب المولد تجد عربية "نشان نوسة" الأكثر إقبالا بين الشباب والأطفال لما يحمله من تحد فى إحراز الهدف، فلو أخفق فى تصويب كرات البُمب فمن المؤكد أنه خاسر وعليه أن يخرج من اللعبة، أما لو أصاب الهدف فعليه أن يكمل اللعبة حتى الإخفاق أو تحقيق 10 إصابات متتالية. إلى جوار الطابور، تفترش الأرض "أم أحمد" جدة نوسة وصاحبة عربة النشان والتى تستيقظ من "النجمة" متجهة ل"أكل العيش"، مُتحاملة على نفسها رغم مرضها، لتعود إلى منزلها برزق "العيال". السيدة الخمسينية والمسئولة على الإنفاق على أسرة من المرضى والعاطلين، تقول ل"اليوم السابع" لم يكن أمامها إلا أن تخرج بعربة "نيشان" صغيرة تتنقل بها من مولد "السيدة زينب" إلى "الحسين"، أما باقى العام تنتظر القلوب الرحيمة أن تعطف عليها. "أم أحمد" قالت إن الدخل اليومى لها لا يتجاوز عشرين جنيها، وهى سعيدة بذلك تماما قائلة "المولد يوم شغل وعشرة مفيش.. بس رضا وأحسن من مفيش"، ورغم أن الجلوس طوال النهار على رصيف الشارع يسبب إرهاقا نفسيًا وألمًا جسديًا لها، إلا أن الحاجة المادية تفرض عليها ذلك. اقترب منها عدد من الزبائن، أعمارهم تزيد عن العشرين عاما تراهنوا فيما بينهم على إجادة التصويب، وبالفعل أعدت لهم البنادق والطلقات، وبدأوا فى التصويب على لوح خشبى مُثبت عليه أشكال متعددة من البُمب واتفقوا على منح الفائز عشرة جنيهات، وانتهى السباق بفوز أحدهم. وعن المولد تقول إنه يمثل فرحة الفقراء وفرصتهم الوحيدة فى العام كله للاستمتاع والكسب والتقرب والنذر لتعليق أحلامهم على من يعتقدون فيهم أنهم من الأولياء والصالحين، حيث يقدمون الشكوى من قسوة ظروفهم الحياتية والأزمات السياسية التى يمر بها الوطن. وعن أكثر المشكلات التى تواجهها أيام المولد تقول: "مفيش غير النشالين والبلطجية اللى بيزهقوا الناس وبيقطعوا علينا رزقنا والناس بسببهم بتخاف تيجى المولد".