علمت "بي بي سي" أن هناك أزمة مكتومة بين مصر والعراق بسبب تعثر المفاوضات الرامية لتسوية ملف الديون العراقية المستحقة لمصر منذ أيام نظام صدام حسين. وكشفت مصادر على صلة وثيقة بالملف ل"بي بي سي" أن المحادثات وصلت إلى طريق مسدود بسبب إصرار الجانب العراقي على إسقاط 80 في المئة من ديون التجارية والحكومية وتمسك الجانب المصري الشديد بالرفض. وتقول مصر إن إجمالي الديون العراقية المستحقة بلغ حتى شهر مايو/آيار الماضي 1.72 مليار دولار ( تعادل أكثر من 10 مليارات جنيه مصري). ووفق الحسابات المصرية ، التي يقرها العراق، يبلغ أصل الديون 651 مليون دولار، وبقية المبلغ هي فوائد متراكمة مستحقة. "الحوالات الصفراء" وتمثل ديون الأفراد أو ما يعرف في مصر ب" الحوالات الصفراء" المشكلة الأكبر التي تحول دون تسوية الأزمة. وهذه "الحوالات" توثق مستحقات المصريين الذين كانوا يعملون في العراق أيام نظام صدام حسين.
وتبلغ قيمة هذه الديون 955 مليون دولار، تشمل أصل الدين وهو 409 ملايين دولار إضافة إلى فوائد قيمتها 547 مليون دولار، وفق الحسابات المصرية. أما بقية الديون فتشمل ديون عامة تبلغ 209 مليون دولار، وهي مستحقة لشركات وزارة الإنتاج الحربي وهيئات وزارة الاتصالات والإعلام وشركات وزارة الطيران المدني، فضلاً عن ديون لوزارات الاستثمار والنقل والداخلية. وتبلغ قيمة الديون العسكرية 316 مليون دولار، وهي مستحقة لوزارة الدفاع. وتصل قيمة ديون الشركات إلى 236 مليون دولار. ويصر العراق على إلغاء 80 في المائة من قيمة ديونه المستحقة لمصر. وخلال المفاوضات، استند الجانب العراقي في طلبه إلى شروط نادي باريس. وتشير المراسلات بين بغداد والقاهرة إلى أن الجانب العراقي أبلغ المصريين بأن " أقصي ما يمكن سداده هو نسبة 20% من قيمة المديونية بما فيها الفوائد". وأضاف أن السداد سيتم " عبر سندات تسدد على دفعات تمتد إلى 20 عاماَ". وأشار إلى أن البديل الثاني هو "سداد 10.25% من قيمة ال 20% من أصل الدين نقدا بشكل فوري". "مشكلة حقيقية" غير أن المفاوضين المصريين رفضوا الطلب العراقي، قائلين إنه حتى لو غير الجانب المصري موقفه من مطالبة العراق اعتماد شروط ناي باريس ، فإن هذه الشروط النادي "لا تنطبق على الديون الشخصية في كل الأحوال". وقد أبلغت القاهرة بغداد بأن موقفها الرسمي هو "عدم التفريط في حقوق الأفراد بأي حال". وقالت إنه يجب فصل ديون الأفراد عن الديون الحكومية والتجارية. وردا على سؤال ل"بي بي سي" أقر الدكتور محمد البدري نائب مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون المشرق العربي بتعثر المفاوضات، وقال: "هناك مشكلة حقيقية في المفاوضات بشأن الديون مع العراق". وأكد أنه "لا يمكن لنا التفريط في حقوق المواطن المصري المستحقة لدى الجانب العراقي لأن هذه الحقوق خط أحمر لا يمكن للخارجية المصرية تجاوزه". وأضاف البدري وهو عضو وفد المفاوضين المصريين، إن " الخارجية المصرية متمسكة بضرورة رد هذه الحقوق، وهناك على أي حال توافق بين كافة الجهات الحكومية المختلفة في مصر على ذلك". وأكد أنه" لا مجال على الإطلاق لأي قدر من المرونة والمناورة فيما يتعلق بالديون المستحقة للأفراد المصريين". وحسب التقديرات المصرية، فإن إجمالي عدد المصريين الذين يحتفظون ب"حوالات صفراء" تثبت مستحقاتهم لدى الجانب العراقي يبلغ 670 ألف مصري. وقد عمل هؤلاء لفترات مختلفة في العراق في عهد حكم نظام صدام حسين. وتؤكد معلومات "بي بي سي" أن الجانب العراقي تلقى رسالة رسمية في الثاني والعشرين من شهر فبراير/ شباط الجاري تتضمن الموقف المصري النهائي. ويصعد البرلمان المصري الجديد ضغوطه على الحكومة لتسوية هذا الملف. وكانت لجان العلاقات الخارجية، والشؤون العربية، والقوى العاملة في مجلس الشعب المصري قد عقدت اجتماعات عدة لمناقشة ملف ديون العراق المستحقة. ودعا بعض أعضاء اللجان الحكومة المصرية ب"التلويح بورقة القمة العربية". وطالبوا الحكومة بمقاطعة القمة المقرر أن تستضيفها بغداد الشهر القادم مالم يستجب العراق للمطالب المصرية في شأن الديون. نادي باريس وكان آخر اجتماع مباشر بين المفاوضين المصريين والعراقيين قد عقد في القاهرة في شهر أغسطس/ آب الماضي. غير أنه فشل في التوصل إلى اتفاق مرض للطرفين. وفي هذا الاجتماع ، جدد الجانب العراقي عرضه بدفع أصول ديون الأفراد ، "الحوالات الصفراء" ، بشرط الموافقة على مذكرة تفاهم تعفيه من أية التزامات أخرى لتسديد فوائد الحوالات الصفراء. وشمل العرض معالجة باقي المديونية من خلال بنود اتفاق العراق في نادي باريس، وهو مارفضه المفاوضون المصريون. وسبق اجتماع القاهرة زيارتان قام بهما وزيرا القوى العاملة المصري، والعمل العراقي للبلدين، وفشلتا في تسوية الأزمة. يذكر أن نادي باريس هو مجموعة اقتصادية مالية غير رسمية تضم 19 من أغنى الدول الدائنة في العالم من بينها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وروسيا والنمسا وبلجيكا واليابان وهولندا والسويد واستراليا. وكان النادي قد شطب في عام 2004 ما يقرب من 80 في المئة من ديون العراق. وترى مصر أن شروط النادي لا تنطبق على ديونها لأنها ليست عضوا فيه ولا تتمتع بالقدرات الاقتصادية التي تمكنها من شطب ديونها المستحقة على العراق.