رغم أهميته التاريخية التى كان يحدد من خلالها مصير كل المصريين على مدى هذه القرون بتحديد الرقعة الزراعية والضرائب المفروضة، لم يسلم مقياس النيل من يد الإهمال والعبث حيث تهدده عوامل الرطوبة وتسرب المياه بالانهيار، ذلك الأثر الذى حاز اهتمام المصريين طوال 1100 عام، حيث إنه يعانى الآن من الإهمال والتجاهل، خاصة بعد أن توقف العمل به منذ بناء السد العالى وتحوله لمزار سياحى. فى جزيرة منيل الروضة، حيث يوجد المقياس من خلال الطريق الوحيد عبر شارع المانسترلى، والذى يوجد به كوبرى المانسترلى باشا الخشبى للمشاة والذى تم تصميمه على طراز فريد يخطف نظرك من الوهلة الأولى. وعند دخولك إلى الساحة التى تجمع بين متحف أم كلثوم والمقياس فأول ما يقع نظرك عليه هو تمثال عالم الرياضيات الأوزباكستانى أحمد الفرغانى مؤسس المقياس وعلى يساره مسجد حسن المانسترلى ويقبع خلفه مقياس النيل العتيق. وأكد حارس المقياس أن ميزانيته هزيلة للغاية خاصة فى ظل عدم التعريف به سياحياً داخل مصر، ويعتمد فقط على السياحة الأجنبية حيث تبلغ قيمة تذكرة الدخول 16 جنيها فى حين لا تتجاوز قيمة دخول الزائر المصرى 2 جنيه أما الطلاب فتبلغ جنيها واحدا فقط ولا يكفى أى من ذلك تغطية أعمال الصيانة. وأعرب الحارس عن سخطه الشديد من الإهمال الذى يعانى منه المقياس وربطه بحالة الفوضى التى تعيشها مصر وحالة التردى الاقتصادى مما يجعل عملية ترميمه والتى تحتاج إلى ملايين الجنيهات أمرا شبه مستحيل، مشيراً إلى أن عملية الترميم تتمثل فى إعادة البناء من جديد. ومع الحارس الذى كان بمثابة الدليل خلال رحلة "اليوم السابع" إلى مقياس النيل نزلنا درجات سلم المبنى العتيق لنصل إلى القاعة المستديرة يتوسطها بئر عميقة بداخلها عمود من الرخام ويحمل عمود المقياس حجر منحوت عليه بعض آيات القرآن الكريم بأقدم خط كوفى فى مصر، أما جدرانه فتحمل 4 لوحات، اثنتان منها مخطوطات للقرآن الكريم ولوحة لرسم توضيحى أو خريطته والأخيرة فهى صورة لبابين أحدهما للظاهر بيبرس والأخرى للسلطان نجم الدين، وتم ضم تلك اللوحات عقب دخول الحملة الفرنسية إلى القاهرة كما تم ذكر تلك اللوحات فى كتاب وصف مصر. ويقول الحارس إن آخر من قام بترميم المقياس هو الملك فاروق وبعد ذلك توقفت عمليات الترميم بشكل نهائى، مشيرا فى حسرة إلى أن المقياس لقى رعاية واهتماما من الحملة الفرنسية التى أضافت إليه بعض اللوحات، أما الحكومات المصرية المتعاقبة فتعمدت إهماله حيث يقتصر ترميم وزارة الآثار على دهان الأبواب الخارجية. وأثناء النزول لا يمكن ألا تلاحظ آثار التهالك التى أصابت رخام وحوائط المقياس وذلك نتيجة تسرب بعض مياه النيل إليها، أما السقف فيتميز بالألوان الزاهية مصممة على الطراز الإسلامى والذى تم استحداثه خلال فترة حكم الظاهر بيبرس ولم يجدد سوى مرة واحدة فى عهد الملك فاروق عام 1937. وأثناء النزول إلى قاع البئر عبر سلم حجر ضيق كان مخصصاً لحارس المقياس للقيام بأعمال الصيانة والتنظيف خلال فترات الجفاف ترى ثلاث فتحات على أجنابه مخصصة لدخول المياه مقامة على 3 مستويات أحدها على شكل دائرى وذلك حتى لا يتسبب دخول المياه فى كسر عمود المقياس نتيجة قوة اندفاعها والثاني على شكل مربع، أما الفتحة الأخيرة فمربع أكبر من سابقته ومهمته تدوير المياه. ويعرب الحارس عن أمله فى أن يلقى المقياس الاهتمام الكافي واعتباره مزارا سياحيا ضمن برامج شركات السياحة حتى يدر دخلا على مصر والعاملين به، حيث يعد هذا المقياس هو الوحيد المتبقى من بين سبعة آخرين شهدت على اهتمام المصريين منذ القدم بنهر النيل فقد أنشأه الخليفة المتوكل بالعصر العباسى وأشرف على إنشائه أحمد الفرغانى. أما الدكتور مختار الكسبانى، المستشار السابق لوزير الآثار، فقال إن الوضع الاقتصادى السيئ الذى تمر به مصر يحول دون القيام بأية عمليات ترميم، معرباً عن تخوفه من انهيار هذا المزار الذى كان على رأس قائمة المزارات السياحية فى مصر.