ليس هناك ما يحصل بالصدفة. هناك سبب ما وراء كل قرار سياسي مهما كان صغيرا او تافها او مهمّا. لذلك من المنطقي التساؤل لماذا اختار النظام السوري هذه الايام بالذات للاعلان عن اعترافه بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967؟ الم يعترف بها منذ دخوله في مفاوضات مع اسرائيل استنادا الى القرار 242 الصادر في العام 1967... او منذ ذهابه الى مؤتمر مدريد في العام 1991 او منذ موافقته على مبادرة السلام العربية في قمة بيروت للعام 2002؟ هل الاعلان عن موقف جديد من الدولة الفلسطينية يغيّر شيئا في وقت يبدو واضحا ان الفلسطينيين في مأزق حقيقي. هذا المأزق عائد الى وجود حكومة اسرائيلية لا هدف لها سوى تكريس الاحتلال من جهة... وسلسلة من الاخطاء ارتكبها الفلسطينيون، خصوصا منذ توقيع اتفاق اوسلو في العام 1993 من جهة اخرى. فوق ذلك كلّه، هناك ادارة اميركية على استعداد لمسايرة بنيامين نتانياهو الى ابعد حدود حتى لو ذهب بعيدا في عمليات الاستيطان في الاراضي الفسطينية المحتلة! الاكيد ان الموقف السوري من الدولة الفلسطينية لا يقدم ولا يؤخر بمقدار ما انه يعكس عجزا عن التصرف كدولة طبيعية تعرف حجمها الحقيقي بدل الكلام عن دور اقليمي اقرب الى الوهم من اي شيء آخر. انه على الاصح الرهان على اوراق غير موجودة من بينها القدرة على عرقلة اي تسوية في المنطقة في غياب السعي الجدي الى لعب دور ايجابي على كل صعيد، بما في ذلك داخل سوريا نفسها. كان هناك الى ما قبل فترة قصيرة استخدام سوري لحركة "حماس"، التي هي جزء من الاخوان المسلمين، من اجل العرقلة. تبين فجأة ان لدى "حماس" اجندة خاصة بها وانها تنتمي الى مدرسة الاخوان المسلمين التي لا تؤمن سوى باستخدام الآخرين لتحقيق اغراضها السياسية. هل الموقف السوري الاخير ردّ على "حماس" وجزء من تصفية الحسابات معها؟ ايا تكن الاسباب التي جعلت دمشق تسير مع الشرعية الفلسطينية، فانّ القدرة لا تعود الى كون النظام السوري، او سوريا نفسها في الظروف التي تعيشها منذ مجيء البعث الى السلطة في العام 1963 قوة اقليمية. ان هذه القدرة السورية على العرقلة تستند الى ان اسرائيل لا تريد تسوية مع الفلسطينيين، اللّهم الاّ اذا ارتضى هؤلاء الرضوخ لشروطها التي تعني اوّل ما تعني التخلي عن القدسالشرقية وعن جزء من الضفة الغربية. لماذا انتظر النظام السوري الى العام 2011 كي يعلن انه يقف مع دولة فلسطينية في حدود 1967؟ هل كان قبل ذلك يرفض عمليا اي تسوية كان يمكن ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة" استنادا الى مبادرة السلام العربية؟ هل كان يريد تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر لا فارق وهناك من منعه من ذلك؟ في كل الأحوال، ان الموضوع يتجاوز الاعتراف السوري بدولة فلسطينية يعتبر قيامها في يوم من الايام انجازا ضخما في حدّ ذاته، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار موازين القوى في المنطقة. الموضوع يتعلق بما إذا كان النظام السوري سيتوقف عن ممارسة عملية الهروب الى امام وهي عملية ارتدّت عليه في آخر المطاف. المهمّ أن يكون الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 خطوة أولى على طريق إتباع سياسة واقعية تقوم على الاهتمام بالشعب السوري والسعي إلى معالجة مشاكل سوريا أولا وأخيرا. أنها مشاكل في غاية التعقيد تبدأ بإقامة دولة القانون وبحرية المواطن وكرامته وتنتهي بالمياه والكهرباء والبرامج التعليمية مرورا بالنمو السكاني المتوحش والبناء العشوائي والتطرف الديني والتطرف وهجمة الريف على المدينة. يفترض في النظام السوري في ضوء الثورة الحقيقية التي يشهدها البلد منذ ما يزيد على أربعة أشهر الاقتناع بان ما هو في حاجة إلى تغيير يتجاوز الموقف من الشعب الفلسطيني وقضيته. التغيير لا يمكن ان يقتصر على التعاطي بطريقة مختلفة مع القضية الفلسطينية بعدما تبين أن لا فائدة من إيواء منظمات منشقة لمجرد أنها أدوات تستخدم لإضعاف السلطة الوطنية أو لخلق المشاكل في لبنان واثبات انه لا يسيطر على أراضيه ، فضلا عن ابتزاز اللبنانيين طبعا. التغيير الحقيقي هو ذلك الذي يكون تحت شعار التصالح مع الشعب السوري، أي تحت شعار سوريا أولا. لماذا الخوف من ذلك؟ كل ما عدا ذلك دوران على الذات وتأكيد لواقع يتمثل في أن النظام السوري عاجز عن القيام بإصلاحات. انه وهم الدور الإقليمي المستند إلى حلف غير مقدس بين عرب وغير عرب لا همّ لهم سوى الإبقاء على حال اللاحرب واللاسلم إلى ما لا نهاية تحت لافتات "المقاومة" و"الممانعة" و"الصمود" و"التصدي" و"وإفشال المشروع الأميركي" كما لو أن الإدارة في واشنطن تدرك ما الذي يدور في الشرق الأوسط، هي التي فوجئت بالشعوب العربية تطالب بالكرامة. الواقع ان كل الهدف من هذه اللافتات المتاجرة بما تقع اليد عليه. هل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود 1967 بمثابة توقف عن المتاجرة بالشعب الفلسطيني وقضيته... ام ان كل ما في الأمر أن المطلوب التراجع قليلا فلسطينيا لمتابعة عملية الانقضاض على لبنان عن طريق الأدوات الإيرانية وأدوات الأدوات التي استخدمت في الانقلاب على اتفاق الدوحة أخيرا؟ للمرة الألف، هل الانتصار على لبنان بديل من الانتصار على إسرائيل؟