جزء مهم من أسباب نجاح تجربة حزب العدالة التركي أن رئيسه رجب طيب اردوغان لم يشغل حزبه بمشاكل صغيرة تزيد مخاوف الشارع التركي من الإسلاميين. ولم يضع في مقدمة برنامجه تطبيق الشريعة والحدود, مفضلا التركيز أولا علي قضية التنمية وعدالة توزيع ثمارها علي كل فئات المجتمع, وعلي مهام الدور التركي الذي يفرضه موقع تركيا الجغرافي كجسر بين الشرق والغرب, لم يستخدم اردوغان عصا السلطة أو قوة التشريع لتقويم سلوك الأفراد, ولم يقترب من النشاط السياحي لان السائح لن يجئ إذا أحس انه تحت المراقبة, ولم يغلق البارات لكنه فرض ضرائب باهظة علي الخمور ومنع تداولها في الأندية التي تملكها البلديات, وترك دور الدعارة تعمل لكنه قدم لساكنات هذه الدور بديلا أكثر احتراما يمكنهن من مسكن ملائم وعمل شريف. اعرف أن لكل بلد خصوصيته التي تفرض بصمته علي الحكم والحياة, لكن الفروق ليست شاسعة بين المصريين والأتراك بحيث تمنع الاستفادة من تجربة الإسلاميين الأتراك في الحكم.. وأظن أن العلاقة التركية المصرية تأخذ أبعادا أكثر عمقا بسبب كثير من أوجه التشابه التي تفرضها جغرافية البلدين, وتجعل منهما جسرا للتواصل الحضاري بين الغرب والشرق والشمال والجنوب وتلزمهما أن يكونا صوت اعتدال وتعقل يعبر عن وسطية الاسلام الصحيح دون شطط, وتفرض عليهما الانفتاح علي العالم لحسن استثمار عبقرية الموقع في البلدين لمصلحة الشعبين, فضلا عن أن غالبية الشعب التركي يماثل غالبية الشعب المصري في التمسك بالسماحة وقيم الدين دون تعصب أو تطرف. صحيح أن هناك بعض الفروق التي يصعب تجاهلها مكنت الاسلام السياسي في تركيا من نهج متطور, يقبل التعايش مع التطورات التي تفرض نفسها علي العالم, ويفهم العلمانية علي أنها المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين دون تمييز في اللون أو الدين, ولا يري تناقضا شديدا بين الاسلام وقيم الديموقراطية, أو بين العالم الإسلامي والغرب, عكس ما حدث في مصر والعالم العربي حيث عاشت معظم تنظيمات الاسلام السياسي فكرا محافظا جامدا, كان يمكن الإبقاء عليه طالما بقيت هذه التنظيمات في موقع المعارضة, لكن مسئولية الحكم شيء مختلف, تفرض علي تنظيمات الاسلام السياسي إعادة النظر في كثير من مواقفها.