دمشق 3 ديسمبر 2011 ( شينخوا ) بدأت العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها جامعة الدول العربية أواخر الشهر الماضي على سوريا تجد طريقها إلى المواطن السوري، وراح يتلمسها حقيقة راهنة، من خلال اختفاء بعض السلع والمواد الغذائية من المحلات التجارية، باستثناء ما هو مخزن في مستودعات بعض التجار السوريين أصحاب الامتياز لبعض السلع والمواد الغذائية، الأمر الذي يدل على أن سوريا دخلت مرحلة جديدة في مواجهة ومعالجة الأزمة التي فرضت عليها من قبل المحيط العربي والإقليمي. ولاحظ مراسل وكالة (شينخوا) بدمشق قبل أيام وجود حركة غير نشطة في مطار دمشق الدولي، مع إعلان شركة الخطوط الجوية الإماراتية والقطرية تعليق رحلاتها إلى سوريا تنفيذا للعقوبات التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا، إضافة إلى فقدان بعض السلع الاستهلاكية من المحلات التجارية ذات المصدر الخليجي. وأكد المواطن السوري أحمد السلامي (37 عاما) أن بعض السلع بدأت تختفي من الأسواق السورية، وخاصة تلك التي كانت تأتي من الخليج العربي وبعض الدول الإقليمية مثل تركيا، لافتا إلى أن هذا مؤشر على تطبيق العقوبات على سوريا. وقال السلامي ل(شينخوا) اليوم (السبت) " عندي ثلاثة أطفال ، ومعظمهم يشرب الحليب الصناعي " ، مؤكدا انه منذ اسبوعين لم يعد يجد حليبا بسبب العقوبات الاوروبية ، والعربية على بلاده. وطالب الحكومات التمييز بين الانظمة الحاكمة وبين الشعب عند فرضها عقوبات اقتصادية، لافتا الى ان الشعب سيدفع فاتورة تلك العقوبات وليس النظام. من جانبه، أكد ابو أسعد صاحب محل سوبر ماركت بدمشق ان المواطن السوري سيعيش اياما صعبة، بعد فرض الجامعة العربية العقوبات الاقتصادية والتجارية على سوريا، موضحا أن البضائع الأجنبية وبعض السلع ذات المنشأ الخليجي والتركي لم تعد تأت إلى سوريا، وهذا ما سيشكل صدمة لبعض المواطنين السوريين الذين اعتادوا على توفر مثل هذه السلع، داعيا الشعب السوري إلى الاعتماد على البضائع المحلية التي استغنى عنها المواطن قبل ذلك. وأضاف ابو أسعد ل(شينخوا) إن كثيرا من السلع اختفت من رفوف المحل، وبدأ المواطن السوري يسأل عنها بكثرة وبإلحاح شديد، مستذكرا هذه الايام، بأيام الحصار الذي شهدته بلاده في الثمانينيات من القرن الماضي. وكانت سوريا أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد قد فرضت عليها حصارا اقتصاديا خانقا بسبب مواقفها الرافضة للسياسيات الأمريكية، واصرارها على عدم الاعتراف بإسرائيل، وإقامة علاقات سلام معها. واعتبر وزير الاقتصاد السوري محمد نضال الشعار في تصريحات سابقة أن العقوبات هي ضد كل مواطن سوري وعربي، معتبرا أن "قطع العلاقات مع المصرف المركزي سيضر بالمواطن، لأن المصارف المركزية في كل العالم هي وكلاء للمواطنين وليس للأنظمة، وهذا هو الحال في سوريا ". وعن أساليب دمشق لمواجهة العقوبات قال الشعار إن الاعتماد على الذات، وتفعيل سياسة الاكتفاء الذاتي، هي الحل الوحيد. وأكد الباحث الاقتصادي السوري حسين القاضي أن عقوبات الجامعة العربية " أثرت نفسيا على المواطن السوري " ،لافتا إلى أن تأثيرها الواقعي والعملي يحتاج إلى بضعة أسابيع. وقال القاضي وهو وزير سوري سابق لوكالة (شينخوا) بدمشق إن " المواطنين السوريين خائفون من شكل العقوبات وواقعها "، مؤكدا أن هذه العقوبات تشكل إزعاجات من ناحية السفر، وترفع تكاليف الإنتاج ". وأكد أن الشعب السوري هو المتضرر الاول والاخير من هذه العقوبات الاقتصادية والتجارية، مشيرا إلى أن العقوبات ستزيد من قوة النظام السوري من التفاف شعبه حوله. من جانبه، أكد معاون وزير النقل لشئون النقل الجوي الدكتور محمود زنبوعة أن العقوبات التي أقرتها الجامعة العربية بوقف التبادلات التجارية مع سوريا ستؤثر في قطاع النقل ولكن الضرر لا يقع فقط على سوريا بل على كل الدول العربية وأن عددا من هذه الدول يمكن أن تتأثر أكثر من سوريا لأن سوريا تعتبر نقطة عبور لدول أخرى بالنقل البري وأن النقل بوسائل أخرى ستكون كلفته مرتفعة وليست مجدية. وبين زنبوعة في تصريحات لوكالة (شينخوا) أن أثر العقوبات لن يكون له مفعول كبير على الاقتصاد السوري لسبب أساسي هو أن هيكلية السلع المتبادلة بين الدول العربية هي سلع متشابهة وما تصدره سوريا وتستورده هي سلع متشابهة وفي أغلبها منتجات غذائية ومواد بناء ونفط ومنتجات بتروكيمائية وأن هذه السلع تدخل إلى سوريا برسوم جمركية بنسبة الصفر لأنها تقع ضمن إطار منطقة التجارة العربية الحرة. وأوضح زنبوعة أن عدم دخول هذه السلع إلى سوريا يمكن أن يخفف من واردات الدولة من القطع الأجنبي لكنها من ناحية ثانية يمكن أن تكون مفيدة للمنتج السوري لأن السلع التي تدخل من الدول العربية تنافسه بأنها منتجة بكلفة أقل لأن قيمة المحروقات في هذه الدول أقل مما هي عليه لدينا وأن منع دخول هذه السلع لدينا يضر بالدول الأخرى أيضا لأنهم سيحرمون من سوق إضافية أما المنتج المحلي فتصبح السوق حصرية له ولا منافس له فيتشجع على الإنتاج، مشيرا إلى أن لدى سوريا اكتفاء ذاتي ولا يقارن ببعض الدول العربية التي تعتمد على تصدير منتج واحد. وبحسب مكتب الإحصاءات السوري، فان 52,5% من الصادرات السورية عام 2009 كانت موجهة الى الدول العربية، فيما كانت 16,4 % من الواردات مصدرها الدول العربية. والوجهة الاولى للصادرات السورية هي العراق (31,4%) يليها لبنان (12,7%)، وقد أعلن هذان البلدان انهما لن يلتزما بقرارات الجامعة العربية. وتنص العقوبات التي اقرت خلال اجتماع لوزراء خارجية دول الجامعة العربية في القاهرة اواخر الشهر الماضي على وقف المبادلات التجارية مع الحكومة السورية "باستثناء السلع الاستراتيجية التي تؤثر على الشعب السوري" وتجميد ارصدة الحكومة السورية في الدول العربية. كما تتضمن العقوبات منع سفر مسئولين سوريين الى الدول العربية وفق قائمة ما زال يتعين تحديدها، وتعليق الرحلات الجوية بين الدول العربية وسوريا، على ان يحدد تاريخ بدء تطبيق هذا الاجراء الاخير الاسبوع المقبل. ومن العقوبات التي اقرت ايضا وقف المعاملات المالية مع الحكومة والبنك المركزي السوري ووقف تمويل مشاريع عربية في سوريا . وتهدف هذه العقوبات إلى زيادة الضغط على النظام السوري، بعد فشل المبادرة العربية، و يخشى عدد من الخبراء أن يؤدي الأمر إلى زيادة الاحتقان الداخلي في سوريا ، إضافة إلى منعه من الحصول على العملة الصعبة لاستيراد الغذاء والنفط والسلاح، إلى أن يصل إلى درجة يبدو عاجزا عن ذلك، فتثور الكتل الصامتة حتى الآن ضده.