هل آن أن نخاف؟ هل آن أن نضع أيدينا المرتعشة فوق قلوبنا الواجفة وجروحنا النازفة حد الوجع ونصرخ في الظلام لأننا اكتشفنا بعض طول سباحة ضد التيار وبعد أن حبسنا أنفاسنا تحت لجة الخوف ودثار التمرد عاما كاملا أن لصا قد تسلل في جنح ليل على صهوة ثقة وسرق ثيابنا وأننا نقف في مواجهة الليل في كامل عرينا لا يفصلنا عن شعاع الفجر إلا بضع ساعات من غسق؟. هل آن أن نقف أمام مرآة سوآتنا قليلا دون أن نرش طحين المجاملة على فطائر الفحم ونبتسم أمام المرآة في الصباح وكأن صهيل الليل لم يكن إلا بشارة نجاة ألقاها صانع فطائر الأحلام فوق أسرتنا المجهدة من طول الحمى والسهر؟ هل آن أن نتوقف عن ضخ المجاملات في شرايين علاقاتنا ونعلن أن طول النزيف ليس مقدمة ولادة، بل نذير إجهاض تتعرض له ثورتنا في عام حملها الأول؟ هل آن لدنقل أن يرفع صوته فوق هتافات جيل بأكمله "إيد واحدة" ليقول في سخرية مريرة " لا تحلموا بعالم سعيد .. فخلف كل قيصر يموت قيصر جديد .. وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى، ودمعة سدى"؟. لا شك أن الحلم الذي حملت به ذاكرة الرجال دهرا ووضعته رحم البلاد ظهرا، وباركه كل المتدينين واللادينيين جهرا يتعرض اليوم لانتكاسة كانت بعيدة وإن لم تكن مستبعدة. ولا شك أن الأصابع المتشابكة قد شابها بعض الارتعاش ثم النفور ثم التباعد ثم عرفت طريقها لأرصفة الشوارع تخلع أرائك الثوار من جسد الطرقات والأزقة لتهشم بها وجه الأخ والصديق ورفيق "الكنتاكي". وها هي نذر الديمقراطية ترسم على وجه السماء علامة هلع وتملأ وجه الكون كلاحة ورعبا وتلقي بريح الخوف في قلوب لم تكد تطمئن إلى جلستها خلف سنام الحرية. ها هي شعارات الثورة تتردد في أحشاء البلاد لكنها تضيف مع كل ترنيمة جديدة عدوا جديدا فتندد بالشرطي ثم العسكري ثم الأخ ورفيق الكفاح. هل بدأت فراخ الوقواق في أصلابنا تنادي بإلقاء كل محارة تحمل ارتعاشة فرخ وبوادر روح من أعشاش ثورتنا؟ هل انقلبنا على أنفسنا قبل أن يصبح الفجر صبحا أو ترش سحابة الليل على ربوعنا العطشى وورودنا الذابلة زخة ماء؟ هل يشهد ميلاد الحرية الأول ولادة أول قابيل؟ لم أصدق عيني حين رأيت بعيرا يأكل نفسه بعدما استبد به الغيظ وأكله الغضب، لكنني بعد أن رأيت اللون الواحد يتحلل آلاف الأنسجة، ورأيت الأيادي الطاهرة والحناجر التي لطالما أذهب فحيحها نداء الوطن ودماء الشهداء تتعارك، وبعد أن رأيت حاجبي الثورة يثوران على أنفها ويضربان عينيها في محجريهما، أدرك أننا لم نبارح داحس الظلم وغبراء العبودية، وأن بين مياديننا والحرية بابا من الأنانية قد من فولاذ. حين تدوس الأقدام ذات الطريق في اتجاهين، فهل من الحصافة في شيئ أن نعتقد أن الغاية واحدة؟ وهل تكفي جلسات الترضية وتقبيل اللحى للاعتذار إلى وطن يتأرجح بين ارتباك وخوف؟ وهل تلم أيادينا الملوثة بحجارة الأرصفة جلودنا فوق عرينا لنخرج إلى شعب طال انتظاره ببشارة ثورة أخرى على أنانيتنا ورغبتنا في الإستحواذ؟.