مع أننى كنت قد إتخذت قراراً بالتوقف عن الكتابة فى الشأن المصرى الداخلى منذ فترة حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً ، ربما لزيادة إحساسى بالإحباط وربما لفقدى الثقة فى الأغلبية الصامتة والتى ما زالت صامتة وأتوقع أن تظل صامتة فى إنتظار دورها فى طوابير الخبز والغاز والتموين. ولكن فى وسط هذا الهدوء المحبط إستفزنى وإستفز قلمى خبر القرار الذى أصدره السيد اللواء جمال إمبابى محافظ الإسماعيلية بإحالة 36 مهندساً بالإدارات الهندسية بأحياء المحافظة الثلاثة إلى سيادة النائب العام وجعلنى أتراجع عن قرارى ولو مؤقتاً وخصوصاً أن قرار الإحالة تبنى فكرة الإهمال ولم يتبنى فكرة الفساد !!. وسبب إستفزازى هو أننى وكثير من الصحفيين والإعلاميين والمثقفين قد نبهوا وحذروا مراراً وتكراراً خلال العامين المنصرمين من ظاهرة الفساد الذى إستشرى فى جسد الجهاز الإدارى للدولة وزادت ضراوته وشراسته بعد ثورة 25 يناير حتى أصبحت الرشوة حقاً مكتسباً للفاسدين ، وكانت الأجهزة التنفيذية والرقابية فى المقابل تتجاهل كل التحذيرات كأن الأمر لا يعنيها. وللأسف فإنه خلال العامين الماضيين لعب الإعلام الرسمى والإعلام الفلولى دوراً فى إزدياد هذه الظاهرة لأنهما لم يهتما إلا بقضية الإنفلات الأمنى وربما إهتما على إستحياء فى بعض الأحيان بالإنفلات الإجتماعى ولكن لم يهتما بالإنفلات الإقتصادى وخصوصاً الذى له علاقة بالجهاز الإدارى للدولة. ومن المؤكد أن أعظم الأمثلة شهرة فى موضوع الإنفلات الإقتصادى الذى أقصده هو الفساد الذى له علاقة بالإستثمار العقارى والذى يعلم القاصى والدانى حجم الفساد والإفساد بين أطراف معادلته والذى يقدر بالملايين والذى أصاب جميع محافظات مصر وتأثر به غالبية المواطنين. فلماذا لم يتحرك السيد المحافظ إلا الآن ؟ .. ولماذا الإتهام هو "الإهمال والتقاعس" فقط وليس هناك أى إشارة أو تلميح لوجود فساد ؟ !!. أنا حقيقةً لا أعلم الإجابة فربما أراد سيادة المحافظ أن يخلى مسئوليته مع إزدياد حالة الفساد التى وصلت لدرجة الفساد عفن الرائحة ، وربما أراد أن يتخلص من العاملين الفاسدين فى الإدارات الهندسية وإستبدالهم بفاسدين آخرين موالين للنظام ، وربما أراد أن يحميهم بغلاف قانونى على طريقة النظام القديم وهو عرضهم على النائب العام ثم تبرئتهم وخصوصاً أن الإتهام هو الإهمال والتقاعس "فقط" والذى أدى إلى إهدار المال العام .. وهذا ما أستطيع أن أشبهه بإتهام النيابة مثلاً لقاتل مأجور بتهمة الإهمال الذى أدى إلى موت !!!. ولكن فى جميع الأحوال هو قرار متأخر جداً ومريب وقد فات أوانه لأن هناك أضراراً بالفعل قد حدثت وفيها ما يدعو للريبة وستظهر أثارها بعد سنوات بعد أن يرحل السيد المحافظ ويرحل السادة المسئولون وسيجنى الشعب الإسماعيلى وحده حينها سوء نتاج ما زرع غيره. وهنا أريد أن أسأل القارئ سؤالاً وهو : هل مدينة الإسماعيلية تعانى من مشكلة عجز عقارى ؟. من وجهة نظرى المتواضعة فإن مدينة الإسماعيلية وشعبها لا يعانون من فقر السكن ولكن من فقر المال والحاجة وخصوصاً مع الإرتفاع الغير منطقى والغير مبرر لأسعار الأراضى والسكن بها. لدرجة أن هناك معلومة يدركها كل الإسمعلاوية ويرددونها منذ أن كان الدكتور عبدالمنعم عمارة محافظاً للإسماعيلية وهى : أن غالبية من يشترون الأراضى والعقارات فى الإسماعيلية هم من خارج المحافظة. وهذا ما يؤدى بنا إلى سؤال آخر أهم وأخطر وهو : إذن ما الحكمة من وراء بناء هذا الكم الهائل من الأبراج السكنية وغالبيتها مخالفة للمواصفات فى خلال فترة وجيزة وقياسية لا تتعدى العامين فى مدينة صغيرة كالإسماعيلية ، وخصوصاً أن غالبية سكانها من محدودى الدخل والإسماعيلية نفسها ليست مدينة تجارية ولكن تمتلك موقعاً جغرافياً مميزاً ؟. بالطبع إجابة هذا السؤال يستطيع أى قارئ أن يصل إليها بسهولة خاصة مع تفشى ظاهرة تعدد الجنسيات فى مدينة الإسماعيلية من صينيين وهنود وسوريين وغزاويين .. الخ .. ولكن ماذا بعد ؟؟؟. خلاصة القول أننى أستطيع أن أقول : لقد فعلها "إمبابى" أخيراً ولكن .. بعد فوات الأوان ، وبالتأكيد سيحاكمه التاريخ على تأخره ولكن أيضاً بعد فوات الأوان !!!. وختاماً أجد أنه لزاماً على أن أنبه السادة المواطنين الشرفاء أن الكرة الآن فى ملعبهم والحَكَم هو سيادة النائب العام وهى فرصة لن تتكرر لكل مواطن تعرض لإبتزاز أو تخاذل من العاملين فى الإدارات الهندسية بالإسماعيلية وعليه أن يقوم بإرسال مظلمته لسيادة النائب العام لضمها للقضية الأم وهى الإهمال والتقاعس !!!.