على غير ما توقعه الكثيرون يبدو أن السيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقتة مصر على المضي إلى الأمام غير عابئ بكل الإعتراضات والإنتقادات في سبيل تجسيم مبادرته القاضية بتكوين تكنوقراط لا تنتمي إلى أي حزب ويلتزم أعضاؤها بعدم الترشح للإنتخابات القادمة وألا يكونوا متورطين في جرائم ضد الشعب. وقد فاجأ هذا الموقف الكثيرين خصوصاً أمام ردة الفعل العنيفة والغاضبة من أحزاب الترويكا الحاكمة وداخل حزب حركة النهضة نفسها. وهذا الإصرار على المضي إلى الأمام في سبيل تجسيم المبادرة على أرض الواقع ليس له من تفسير سوى أن الرجل وهو في موقع قيادي للدولة أدرك الفشل الذريع للحكومة الحالية التي يقودها مسقطاً بذلك ما كان يردده علينا عدد من أعضائها من أنها اقوى حكومة في التاريخ وأنها حكومة ثورة وأنها حكومة أنجزت ما لم تنجزه حكومات أخرى إلى غير ذلك من هذه الأوصاف الفضفاضة التي دأب على ترديدها عدد من أعضاء هذه الحكومة في غير تواضع للواقع وللمنطق. وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يقر بعجز هذه الحكومة وفشلها الذريع كان عدد من أعضائها يرددون علينا صباح مساء أغنية الشرعية والثورية وفاتهم أنه لا الشرعية ولا الثورية يبرران العجز. أما اليوم وقد أقر الجميع بفشل الحكومة فها أن السيد حمادي الجبالي يتحمل كامل مسؤولياته التاريخية ويقرر إقالة هذه الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط غير متحزبة. فإذا بالسياط تنهال عليه من كل جانب وفي المقدمة من حزبه الذي ينتمي إليه الذي عارض بشدة هذا المقترح وخصوصاً المتشددين داخل حركة النهضة. وقد تابعت شخصياً رأي وزير التعليم العالي المنصف بن سالم في القناة التي يملكها إبنه والتي وجه فيها نقداً لاذعاً لمبادرة الجبالي وقال أنها مبادرة خطيرة وغير مدروسة وضد أهداف الثورة وشاركه في نفس الرأي الحبيب اللوز. وأكيد أن نفس هذا الموقف المتصلب عند آخرين من كوادر النهضة .. أما حزب المؤتمر من أجل الجمهورية فقد رفض المبادرة جملةً وتفصيلاً وأضاف عليها قراره بسحب وزرائه من الحكومة الحالية. وقال سليم بن حميدان وهو أحد المتشددين الكبار في هذا الحزب أن مبادرة الجبالي تفتح الباب لعودة التجمعيين والدساترة. هكذا عيني عينك والرجل مستميت في الدفاع عن كرسي الوزارة بدعوى تحصين الثورة حتى ولو ذهبت البلاد بكاملها إلى التهلكة. وحده شذ حزب التكتل عن القاعدة وقال أنه يساند مبادرة حمادي الجبالي .. أما الأحزاب الديموقراطية فقد رحبت بالمبادرة وإن رأتها جاءت متأخرة كثيراً. ولكن هذه المبادرة الآن هي بصيص الأمل الوحيد لإنقاذ ما بقي من الدولة وعلى الجميع دعمها والوقوف إلى جانب السيد حمادي الجبالي حتى ينجح في تجسيم مبادرته. إن مبادرة السيد حمادي الجبالي هي مبادرة شجاعة وتضعه في موقع رجل الدولة الحازم غير المتردد. وهو يقوم بهذه المبادرة بكل وطنية بعيداً عن أي إستعراضات إنتخابية طالما أنه إلتزم بعدم الترشح ومعه فريق حكومته الجديدة للإنتخابات القادمة.