اتى من البادية على جمل مرتديا الزى البدوى الاصيل الجلباب والعقال لم يفكر فى طول الرحلة او حرارة الجو ، ينظر الى كل ما هو جميل فقط، يقول لنفسه: السير ليلا مع بصيص من ضؤ القمر يريح النفس ويزيح الهم ويبعث فى القلب الراحة والطمأنينة ،التأمل اثناء السفر ينشط العقل الواقف فى دوامة الزمن الراكد. يسرح فى ملكوت الله قائلا: مفازة ليس لها بداية او نهاية ما اجمل ملكوته فى كل وقت وحين عند سقوط الغيث سبحانا الخالق الرازق تمتلىء الابار الجافة وتنبت الارض الميتة ما احلى الخوخ والتربنتينا ان اشجار الزيتون العفية تبتسم عندما تغسلها الامطار الدافئة, زيتها هو الشفاء من الاسقام واكلها فاتح للشهية، يطير عقله عندما يقترن الزيتون بالبيض، بيضتان مسلوقتان تهرسان بالزيتون الرفاعى مع كسرة خبز وكوب من القهوة مع تعسيلة اوف اوف يا ولدى. يعض على شفايفة قائلا: لا تحلم بالخبز والبيض انها من ممتلكات شيخ القبيلة وابناءه ، ان تقسيم القبيلة الى بطن وفخذ ...الخ تجعل الاطراف البعيدة تحرم من هذه النعم , من رؤية النور نفسه. انه يحرمنا حتى من امتلاك فرخة بياضة على رأى المتحضرين ،يأخذ نفس عميق ويتنهد ثم ينظر الى السماء كأنه يراقبها، يرى القمر يسير معه حيثما انتقل والنجوم مصطفة فى لوحة ابداعية جميلة تشعل السماء لمعاناً منها الكبير والصغير يفهم بعقله المتواضع ان هذا الجمال الساطع من مصابيح السماء خلقت بأيدى الله سبحانا الخالق المبدع. يرى نفسه من الداخل ،يتأمل ويفكر بصوت عالى تتقاذفه موجات الصدى الحرة فتخترق اذن ناقته تعتقد انه يحدثها فتهمهم انه يفهم همهمتها فيناديها وكأنها تشاركه آلامه وافراحه. قائلا : يعتقد البعض انه جنون فالصم والبكم لهما طريقة فى الكلام بأصابع اليد والاشارات ونحن نكلم جمالنا فتفهمنا ونقدم لها كل ما تريد نفهم ما تعانى منه وما تريده حينما تتألم ،و تجوع ، وتفرح وتحزن معنا لانها معنا على الدوام فى بيتنا وجوار خيامنا فى ريحنا، نتألم حينما تندر المياه ، عندما ينقص علفها وعشبها فيصمت ويدمع قائلا: قد امسك على نفسى واشد خصرى بحزام حتى لا اشعر بالجوع ،احاول ان اوفر لناقتى الطعام انها مصدر الدخل كله. يفزع شيخ القبيلة عندما نطالبه بميراثنا فى ارض القبيلة يقول بصلف: ارض القبيلة ارض ملك القبيلة كلها وانا امين على المال اعطى مااشاء وبيدى كل شىء. يرتفع صوت حمدان وكأنه بركان له دوى بالصحراء المترامية: كاذب انه يعطى الاقربين ،نحن منسيون ، فهو لا يستحق ان يكون شيخ بل هو شيخ تفصيل وكل شىء يفصّل عند الترزية وما اكثر ترزية اليوم. لست ادرى لماذا ارتضت به القبيلة يعمل لنفسه وللاقربين منه يا ويله من عذاب الله ، فيسأل نفسه الحائرة بين جنباته وهل هؤلا يؤمنون بالله ؟. فيجيب: انهم يؤلهون الشيطان منذ عقود وعندما بدا الفجر يشقشق بنهار فريد من نوعه ، يحاولون اخماد نوره من جديد ،كنا ملوكاً منذ قرون ومع الزمن اهملنا تماما، اتينا مع عمرو ابن العاص، وفتحنا مصر ،واعجبتنا البادية بمفازتها العريقة؛ فعشنا بها لم نطلب من رئيس القبيلة شىء؛ فمشاكله كثيرة واعدائنا يغرونا بالمال لكن نرفض ان نخون شيخنا ها هى قصتنا. نحلم ب نسمة هواء انسانية مع صوت فيروز الشجى وكوب شاى بالبابونج فى الايام الباردة وكومة من الحطب تتصاعد منها السنة اللهب الدافئة تحت ضى القمر، تنتفض اجسادنا وتتراقص ارجلنا وايدينا بالسيوف. لا نحلم بأسطوانة البوتاجاز او لحم مقدد تشتهيه الانفس، فينحنح قائلا: الكانون وما ادراك بالكانون حجرين من الطوب يوضع بينهما الحطب وترفع فوقهما وعاء لتطييب الطعام، أه من الزمن اننا نوفر لشيخنا كل شىء حتى الكهرباء فالغاز يسير فى ارضنا بجوار خيامنا ولم نفكر فيه ، انه يذهب الى بلاد اصبح لها وجود تضايقنا بأفعالها كثيرا. اقتربت ناقته من الحضر حيث الاسواق والشراء والبيع والتجارة واللهو والراحة؛ ليبتضع ويستريح بعد عناء طويل، فحمّل بضاعته على جمله وبدا السير ،تضحك عينه من الغبطة، يستعجل الجمل ،يريد ان يطوى الارض، وفى برهة من الوقت تعثرت ناقته فى لغم ارضى من مخلفات الحرب ،لم يقدر ان يصنع شىء حياله فزهقت ارواحهم وتناثرت اجسادهم معاً الى اشلاء فكانا حديث البادية.