أراد الفأر أن يقوم بنزهته الليلية المعتادة داخل غرفة المطبخ، لكنه سمع وقع أقدام تقترب، فقذف بنفسه داخل صندوق الثياب الخشبي ونظر من بين الألواح ليرى صاحب الدار وبين يديه مصيدة فئران جديدة. نظر الفأر بنافذ رعب نحو تابوته المعدني حتى رأى الرجل يعلقه قرب حاوية البصل ويذهب. خرج الفأر يتحسس طريقه نحو المزرعة في خوف دامس، حتى التقي بديك منطرح على جنبه يرطب حنجرته بهمهمة السحر استعدادا لبزوغ فجر جديد، ففرك ريشة من ذيله بين أسنانه، فنهض الديك واقفا. قص الفأر على صديقه الديك ما رآه من فصول المؤامرة التي تحاك بليل ضد سكان البيت، لكن الديك هز ذيله ورفع منقاره فوق عرفه المتدلي فوق عينيه وقال: "لا أومن بنظرية المؤامرة ولا يرتاح إليها قلبي .. وعلى أية حال، لا أعتقد أنني هدف سهل المنال، وإذا قرر أحد الإيقاع بي، فلن يستخدم مصيدة فئران". ثم انطرح على جنبه الآخر وواصل عزفه المنفرد. أوشكت دمعة حبيسة أن تتدحرج فوق أنف الفأر لولا أن وجد نفسه فجأة بين أقدام الخروف الذي لاطفه وأحسن إليه القول، فقرر الفأر إشراكه فيما توصل إليه من أسرار. وبعد الإنصات لرواية الفأر، أطلق الخروف ضحكة مكتومة من أنفه، واستغرب ذعر الفأر من فخ معلوم الهوية، لأنه كان يرى بحكمة السنين أن الفخاخ المعلقة هي الأقل خطرا، أما الفخاخ التي تقع تحت جحور الأرانب فهي الحقيقة بكل رعب. ثم أدار رأسه وهو ينظر إلى الفأر المسكين بطرف عينه وقال في سخرية: "أمثالي من الخراف لا يهابون مصائد الفئران، لقد تجاوزنا هذا الخوف منذ زمن". قرر الفأر أن يعود أدراجه بعد أن خذله أقرب المقربين لولا أن سمع صوت البقرة يشق أستار الظلام، فهرع إليها وقص عليها قصته، لكن البقرة كانت مشغولة بجمع ما تبقى تحت قدميها من حشائش. كانت البقرة تستخدم لسانها وأظلافها ومقدمة شفتيها في كنس ما تبقى من علف، ولا تكترث إن حملت بين الأعشاب دودة أو صرصارا، فمعدتها قادرة على طحن كل شيء وأي شيء. ابتعد الفأر عنها قليلا حتى لا تلتهمه دون أن تدري. تجشأت البقرة بصوت عال، ثم قالت: "وما شأني أنا بمصيدة الفئران تلك .. بالله عليك، هل يجوز لبقرة في وزني أن تخشى مصيدة فئران؟" قرر الفأر أن يتعامل مع مصيدة الفئران كما يتعامل الفلاح الحكيم مع نبتة طفيلية نبتت وسط عشبه فجأة وتعذر عليه اقتلاعها. ومرت الأيام قبل أن يستيقظ الفأر على صوت فحيح وضرب هراوة. علم الفأر بعدها أن المصيدة صادت ثعبانا، وأن زوجة الفلاح حين تحسست طريقها في الظلام لدغتها الأفعى وأن زوجها حملها من فوره إلى أقرب مشفى. وحين عاد الفلاح إلى بيته قرر أن يذبح الديك لزوجته المريضة. لم يستمع الفلاح إلى استغاثات الديك وهو يئن تحت شفرة السكين، لكن الفأر سمع اعتذارا متأخرا جدا من حنجرة ديك يحتضر. لكن الديك لم يكن كافيا لضخ دماء الصحة في عروق الزوجة الزوجة، فقرر الزوج المحب أن يضحي بخروف بالغ في الثقة بالفخاخ المعلقة حتى وقع فيها. وبعد أيام فاضت روح المرأة إلى بارئها، فقرر الرجل ذبح البقرة كي يعد طعاما للمعزين، فخارت البقرة ندما على ثقة بشحم لم يمنع مقصلة ولم يغث ملهوفا. آه لو استمع المرشحون للذبح استغاثة مطعون في انتمائه، وتوقفوا عن تبادل النكات فوق قبور أعدت لصرخاتهم المكتومة يوم ذبح على النصب وتقديم القرابين للعصبة أولي القوة من الأعداء والمتربصين!. ليتهم يتوقفون لحظة أمام وليمة مسمومة قبل أن تمتد إليها أيديهم الغارقة بدماء التشفي إلى جسد الأخ والصديق!. ليتهم يدركون أن اللعبة التي بدأت بالسخرية ليست مضحكة أبدا، وأنها تحولت إلى مصيدة كبيرة تتسع لكل سكان الحظيرة ممن ظنوا ذات يوم أن قرونهم تستعصي على الانحناء في رقصة ما قبل الطرد من حلبة السباق إلى المقصلة.