بعد نجاح الثورة المصرية فى تغيير الأوضاع في مصر أعلم أنه سيظهر على السطح حوارات كثيرة وجدل حول الفقه السياسي للحركات الإسلامية وعلى رأسها بالقطع الإخوان المسلمين وأول سؤال عن الدولة الدينية والمدنية ؟ أول طرق حل الخلاف هو توضيح الصورة الذهنية للدولة الدينية والدولة المدنية بين الإسلاميين والعلمانيين وهذه مقالة للدكتور رفيق حبيب وهو يؤصل جيدا لهذه المسألة فلنقرأ ما كتبه : مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته لإخافة الناس من الحركة الإسلامية رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعني سوى الدولة التي تستند لمرجعية الدين، في مقابل الدولة غير الدينية التي لا تستند لمرجعية الدين. ولكن تم إلحاق تعبير الدولة الدينية بمعنى الدولة الثيوقراطية، والتي تقوم على الحكم بالحق الإلهي المطلق، حيث يزعم الحاكم أنه يحكم نيابة عن الله، وأنه مفوض منه والدولة الدينية بهذا المعنى لا توجد أصلا في الإسلام، وهي نموذج غريب على الخبرة التاريخية الإسلامية لذا أصبح مصطلح الدولة الدينية محملا بمعاني لا تحتملها اللغة، ولا ترتبط بالمشروع الإسلامي ولكن تم صياغة هذا المصطلح لتكوين صورة سلبية يتم إلصاقها بالمشروع الإسلامي، حتى يحاصر بمعان سلبية، وتدخل الحركات الإسلامية في دائرة الدفاع عن مشروعها الإسلام متنوّع، في المكان وفي الزمان، لذلك ليس من المنطقي تحديد بنية سياسية متجانسة خاصة بهذا الدين القديم والذي يعتنقه نحو مليار شخص. لكن ضمن وجهة نظر مقارنة شاملة، يمكن تبيان صفات تميز مجتمعات العالم الإسلامي عن المجتمعات المحكومة بثقافات أخرى، وتعيق عمليات عولمة القيم أو المتخيلات. هناك أولاً الصفة التوحيدية للشرعية الإسلامية: وهذه تكمن عند الله وحده والذي لم يعطِ البشر (وبالتالي الأمراء أو رجل القانون) أهلية نشر العدل. أي أن هذا العدل لا يمكن أن ينبثق عن العمل التشريعي البشري: إذاً كي يصبح الأمير شرعياً عليه أن يبذل جهداً ليلتزم بالشريعة (القانون الإلهي) الذي يجده في كتاب القرآن، وفي السنة (أحاديث الرسول وأعماله)، وحتى في الاجتهاد (مسعى التأويل وفقاً للقانون الإلهي)، أو الإجماع (توافق مجتمع المؤمنين، أو على الأقل العلماء). ضمن التوجه ذاته، على الأمير أو الخليفة أن يحمي مجتمع المؤمنين (الأمّة) ويدافع عن الإيمان. يضاف إلى هذا المفهوم عن الشرعية أساس آخر يضمن سلطة الأمير: المواطنية، وقبل أن تكون عادلة، هي ضرورية للحماية من الفوضى والفتنة. هذه الناحية من الخطاب السياسي في الإسلام قد تبدو مصدر استبدادية وعشوائية؛ لكن الأمر يتوضح في المطلب الثاني الذي يعتبر أن الأمير الملحد يمكن أن يكون سبباً للفتنة ولذلك تجب محاربته حتى بالجهاد (جهد ديني لمحاربة الشر). هكذا تكتسب المعارضة ذات الطبيعة الدينية قيمة أكبر وتدفع الأمير لأن يستقي من قانون الله. وتجدر الإشارة إلى أنه يجب وضع هذه الرؤية إلى جانب هيكليات أخرى وسمت ولا تزال مصير العديد من الأنظمة السياسية في العالم الإسلامي، إما بتأثير من العوامل الخارجية لاسيما استيراد النماذج السياسية الغربية، إما بتأثير التقاليد الطمأنينية وحتى المعلمنة .. وقصد أيضا من هذا المصطلح، اتهام الحركات الإسلامية بأن ممارستها السياسية سوف تماثل الدولة القائمة على الحكم بالحق الإلهي أو التفويض الإلهي، حتى يتكون لدى الناس أو بعضهم، أن تلك الدولة تمثل نوعا من الاستبداد باسم الدين ويتم تصوير الحركات الإسلامية، على أنها تريد فرض الاستبداد باسم الدين وهنا يلاحظ أن بعض الخطابات العلمانية المستترة، تحاول فصل الإسلام عن الحركة الإسلامية، حتى تستطيع إدانة الحركة الإسلامية، دون إدانة الدين نفسه فيتصور بعض الناس أن الحركات الإسلامية، لن تطبق قواعد الدين، بل سوف تفرض رؤيتها على الناس، وتعتبر نفسها مفوضة من الله بالحكم. وهنا يشاع تصور أن الحركة الإسلامية سوف تفرض حكمها على الناس، ولن تأتي باختيارهم، ولن تصل للسلطة بناء على تفويض شعبي، بل سوف تعتبر نفسها مفوضة من الله، فيحق لها الوصول إلى السلطة بأي طريقة، وفرض حكمها على الناس. وفي المقابل نجد أن الأنظمة القائمة، وكل المشاريع العلمانية فرضت على الناس، ولم تكن باختيارهم كما أن بعض النخب العلمانية تحاول حصر العمل السياسي في الاتجاهات العلمانية، ومنع التيار الإسلامي من العمل السياسي، حتى تصبح هي البديل المتاح أمام الناس وكل التصرفات العلمانية، تلجأ إلى فرض واقع سياسي على المجتمعات بدعم غربي، أي إن معظم المشاريع العلمانية تلجأ إلى شكل من الوصاية على الناس، وفرض العلمانية بأدوات الاستبداد. لذا فالمشروع العلماني الذي يطبق في مجتمع غير علماني، هو في الواقع يمثل الدولة المستبدة، حيث إنه يقوم على فرض وصاية نخب علمانية بدعم خارجي ولكن مصطلح الدولة الدينية، يحاول إلصاق تهمة الاستبداد بكل الحركات الإسلامية. وبقدر ما تنجح تلك الحملة في تصوير الحركة الإسلامية، بأنها حركات تريد الاستبداد باسم الدين تفقد الحركة الإسلامية تأييد جزء من المؤمنين بفكرتها، فيصبح المؤيدون للحركة أقل من المؤيدين للفكرة وتجبر الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السياسي، على شرح فكرتها للرد على تلك الشبهات. وهنا يظهر مصطلح الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية، حيث يشرح هذا المصطلح طبيعة الدولة وأنها مدنية وليست دينية، وتقوم على المرجعية الإسلامية. 1 2 › »