مصطلح الدولة الدينية تمت صياغته لإخافة الناس من التيار الإسلامى بشكل عام والإخوان المسلمين بشكل خاص، رغم أن التعبير باللغة العربية لا يعنى سوى الدولة التى تستند لمرجعية الدين، فى مقابل الدولة غير الدينية التى لا تستند لمرجعية الدين، وتقوم على الفصل بين الدين والسياسة. ولكن تم إلحاق تعبير الدولة الدينية بمعنى الدولة الثيوقراطية، التى تقوم على الحكم بالحق الإلهى المطلق، وهذا ما حدث فى العصور الوسطى حينما سيطر رجال الكنيسة على مقاليد الأمور، حيث زعم الحاكم أنه يحكم نيابة عن الله، وأنه مفوّض منه. والدولة الدينية بهذا المعنى لا توجد أصلا فى الإسلام، وهى نموذج غريب على الخبرة التاريخية الإسلامية، لذا أصبح مصطلح الدولة الدينية محمّلا بمعانٍ لا تحتملها اللغة، ولا ترتبط بالمشروع الإسلامى، ولكن تم صياغة هذا المصطلح لتكوين صورة سلبية يتم إلصاقها بالمشروع الإسلامى، حتى يحاصر بمعان سلبية، وتدخل الحركات الإسلامية فى دائرة الدفاع عن مشروعها. وهنا يشاع تصور أن الحركة الإسلامية سوف تفرض حكمها على الناس، ولن تأتى باختيارهم، ولن تصل للسلطة بناء على تفويض شعبى، بل سوف تعتبر نفسها مفوضة من الله، فيحق لها الوصول إلى السلطة بأى طريقة، وفرض حكمها على الناس! وإذا كانت المرجعية الإسلامية للدولة المدنية تثير المخاوف والالتباس بين الرؤية الدينية والسلطة الحاكمة، فإنه لا يوجد تنافر بينهما، فالأصل فى السلطتين الدينية والمدنية أنهما يؤديان إلى تحقيق العدل والمساواة، والإسلام لا يُقر الفصل بين الدين والسياسة، لأن الإسلام دين ودنيا، وعقيدة الإسلام هى التى تؤكد العدل وعدم الغش، بل إن فصل الدين عن السياسة يحمل ما نعانيه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، فعندما فصلنا السياسة عن الدين وعن أخلاقيات المبادئ العامة كانت النتيجة ما حدث الآن من فقر واستغلال وفساد واستبداد وتفاوت بين الناس. وفى المقابل نجد أن الأنظمة القائمة، وكل المشاريع العلمانية فُرضت على الناس ولم تكن باختيارهم، كما أن بعض النخب العلمانية تحاول حصر العمل السياسى فى الاتجاهات العلمانية، ومنع التيار الإسلامى من العمل السياسى، حتى تصبح هى البديل المتاح أمام الناس. وكل تصرفات العلمانيين تلجأ إلى فرض واقع سياسى على المجتمعات بدعم غربى، أى إن معظم المشاريع العلمانية تلجأ إلى شكل من الوصاية على الناس، وفرض العلمانية بأدوات الاستبداد. ولأن تعبير الدولة المدنية إيجابى، لذا يتم تسويقه بين الناس، وتحويله إلى أداة اتهام للحركة الإسلامية. والملاحظ أن تعريف الدولة المدنية غير واضح فى كتابات النخب العلمانية، ولكن المدقق يكتشف أن هذه النخب تتكلم فى الواقع عن الدولة العلمانية وليس عن الدولة المدنية، ومصطلح الدولة المدنية ليس مصطلحاً متعارفاً عليه، ويمكن أن يكون التوصيف الأقرب له أن الدولة المدنية هى التى تعبر عن المجتمع وتكون وكيلة له وتستند لقيمه، ويختار فيها المجتمع حكامه وممثليه ويعزلهم ويحاسبهم، وبهذا التعريف تصبح الدولة المدنية مطابقة لمعظم الاتجاهات السياسية الإسلامية. ولكن مفهوم الدولة المدنية لدى النخب العلمانية يتوسع للعديد من المفاهيم الأخرى، التى تلحق فكرة الدولة المدنية بالمرجعية العلمانية. وتكتمل تلك الصورة من خلال موقف بعض الأطراف الإسلامية، التى تحاول التكيف مع الشروط المفروضة من قبل النظم العلمانية والنخب العلمانية، لأن هذه الشروط مدعومة ومحمية غربياً. وتبدأ سلسلة من محاولات التكيف المؤقت أو النهائى مع الشروط السياسية المستمدة من النموذج الغربى العلمانى، مما يؤدى إلى تعددية فى الخطاب الإسلامى، ليست نابعة من تعدديته الداخلية، ولكن نابعة من الحصار المفروض عليه، وحرب الشعارات والمقولات التى تشن عليه. فالمشكلة التى تواجه الحركة الإسلامية ليست فى معرفة الناس بحقيقة تلك الحركات، ولكن فى الصورة المشوهة عنها التى تبثها آلة الدعاية العلمانية.