كانت وحيده داخل القاعة، عيناها على المنصة وقلبها فى السماء، تدعو ان يقتص القضاء من قاتل ابنها الشهم. لحظات وتدخل هيئة المحكمة، تنادى على المتهم لإثبات حضوره، ثم تصدر حكماً بحبسه عشرة اعوام. السيدة المكلومة تبكى وهى تلوح بملابس ابنها القتيل، الممزقة بطعنات القاتل التى اصابت ايضاً قلبها، اما عن الحكاية فسوف نعرفها الان. كل من فى القاعة خرج بعد صدور قرار القضاء، ما بين تأجيل لقضايا ومد اجل احكام، وصدور احكام فعليه تقتص من الجناة وتعيد حقوق المجنى عليهم، لكنها ظلت مكانها، رأسها تنتكس على المقعد وكأنها تتذكر ما حدث لإبنها الجدع قبل حوالى عامين، ولتسرد لنا القضية من اولها الى اخرها. قالت، انا ام لستة من الشباب، مطلقة ومنذ نفصلت عن زوجى واصبحت اتحمل هموم الدنيا، من اجل ضمان مستقبل افضل لاولادى، احاول جاهدة ان الحقهم بالتعليم، اوفر لهم ما يحتاجونة من اكل وملبس، ام مثل اى ام فى الدنيا ترى زهرة شبابها وحياتها فى اطفالها، لكن كانت الحياة تزيد على العقبات، قبل عامين اصيب ابنى الاكبر الذى كان يساعدنى على اعباء الحياة بالشلل، لاصارع لوحدى متاعب الحياة من اجل اولادى. كنت راضية تماماً بقدرى ونصيبى، وكنت اعلم جيداً اننى احمل رسالة عظيمة من اجل اطفالى، وكلما زادت المصاعب عليا، كلما ادركت اننى سوف احصد خيراً فى اولادى، حتى انتهى ابنى احمد من تعليمه، وقرر ان يخوض رحلة العمل من اجل مساعدتى على اعباء الحياة، وبالفعل التحق بالعمل عند احد المقاولين بمحافظة الاسكندرية، وكانت مهمته هى نقل الاثاث من المحال الى بيوت الزبائن او العكس فى حاله تغير مكان اقامتهم، وكانت يعود الى بيتنا كل يوماً سعيداً بما تحصثل عليه من مال حلال، من اجل توفير نفقات علاج شقيقه، وانفاق الباقى من اجل استكمال رحلة تعليم اخوته الصغار، حتى جاء هذا اليوم الحزين فى حياتى، والذى انتهت فيه حياة فلذة كبدى. تضيف الام المكلومة، فى الرابع عشر من مارس عام 2017، كان احمد ابنى يحمل اثاث منزل سيدة من بيتها الى سيارة نقل اسفل العقار، حتى جاء وقت الراحة له مع زملاءه، بينما كانت مالك الشقه تشترى بعض الاطعمة لتقديمها لهم فى فترة الغداء، وبالفعل اشترت الطعام ثم عادت الى منزلها، لكن بعد ثوانى شاهدها ابنى وهي تهرول ناحية المطعم من جديد، وبعدها بثوانى سمعنا صوت صراخها من داخل المطعم، دخل مع زملاءه من اجل الكشف عما يحدث، واكتشفوا ان السيدة قد نسيت هاتفها المحمول فى المطعم، ورغم انها وجدت احد العمال يمسكه الا انه رفض ان يعيده اليها، مشيراً لها بإنه لم يرها وإنه لم تدخل المطعم فى هذا اليوم، وعندما عاودت طلبها وجد العامل يتعدى على السيدة بالضرب والسب، هنا تدخل ابنى من اجل ايقاف المشاجرة، فالسيدة "حامل" ولا تستطيع الصمود امام لكمات العامل، والناس يقفون يتابعون المشاهد دون تدخل، اما ابنى فحاول ان يشد السيدة ويخرجها من المحل، فيما قام العامل بإخراج مطواه من بين طيات ملابسه واعتدى على ابنى بطعنين، ورغم هذا حاول ابنى الفرار منه، حتى تمكن من الوصول الى جراج العقار، لكن القاتل لاحقه وعاجله بخمسة طعنات اخرى نافذه فى جسدة، ليسقط ابنى وسط بركة من الدماء، ويلفظ انفاسه الاخيرة وسط دهشة الجميع. وتكمل الأم المكلومة كلامها، بعدها علمت بتفاصيل الحادث، وذهبت لاجد جثة ابنى غارقة فى الدماء، فيما حضر رجال الشرطة وبدأوا تحرياتهم وتمكنوا من الوصول الى القاتل والقبض عليه، وليتم اجالته الى جنايات الاسكندرية، والتى اصدرت حكمها منذ قليل بحبسه عشر اعوام. تركتنا الام الملكومة ودموعها ما زالت تتساقط، وهى تحمل فى يدها ملابس ابنها القتيل الممزقة بفعل طعنات القاتل.