آية.. فتاة عشرينية.. المستقبل كله أمامها.. وطموحها لتحقيق ذاتها يتحدى كل الظروف.. تحفر في الصخر لإثبات نفسها في سوق العمل بعد أن اختارت مجال إدارة الموارد البشرية في إحدى الشركات المتخصصة في الإستشارات الإدارية.. تستمتع بتعبها وكدها.. ترى أن هذا التعب إشارة لكونها تسير في الطريق الصحيح.. فالدنيا لاتؤخذ إلا غلابا.. صوت بداخلها يدفعها للاستمرار رغم كل التحديات.. فحتمًا سيأتي اليوم الذي تجنى فيه ثمار سعيها. فتاة بهذه المواصفات تستطيع أن تقول عليها دون مجاملة أنها حديدية.. تمتلك بداخلها إرادة فولاذية.. والدنيا بقسوتها لن تنال من عزيمتها قيد أنملة.. لكن فجأة انهار الجسد.. ووهن الأمل.. وضعف بداخلها الرغبة في الاستمرار.. لاترغب في الخروج لعالم اعتبرته قاسيًا عليها.. ولم يرحم ضعف أنوثنها.. كل ما تريده أن تجلس خلف باب شقة والدها تحتمي به من دنيا شاهدتها ظالمة.. وأناس انتهكوا أمنها فزرعوا الفزع في قلبها، وأخرون لم يرحموا ضعفها واستغلوا عدم درايتها بأمور قانونية للوصول إلى حقها. الحكاية بدأت أول فصولها في ابريل الماضي.. وبالتحديد ظهر يوم 23. داخل بيتها بالمقطم ارتدت أيه ملابسًا كلاسيكية.. التقطت حذاء بكعب عال رغم كرها لارتدائه.. لكن اجتماع العمل هذا اليوم مهم جدًا.. وأناقتها ومظهرها يجب أن يكونا مناسبان لأهمية الاجتماع.. أمسكت هاتفها المحمول.. وطلبت سيارة تابعة لشركة كريم ووضعت وجهتها إلى التجمع الخامس حيث مقر الاجتماع.. دقائق ووصل السائق لتخبره أنها في عجلة من أمرها.. ركبت السيارة وأنطلق السائق في الإتجاه المحدد. خرج السائق من حي المقطم.. وعندما وصل إلى محور على فهمي بدائرة قسم شرطة مدينة نصر أول.. لاحظت أيه أن سرعة السيارة قد بدأت في الانخفاض.. لدرجة أنها شعرت أن السائق سيقف بسيارته.. أخبرته أنها في عجلة من أمرها ولا مبرر للسير بهذه السرعة المنخفضة.. فالطريق خالى ولا يوجد زحام.. أخبرها السائق أن السيارة بها عطل وأنه سيتوقف ليرى ما بها.. نظرت أية في ساعة يدها تفكر في حل لتأخرها عن الميعاد.. في الوقت الذي أوقف السائق السيارة وخرج منها ليفتح الشنطة الخلفية ويقف أمامها حوالى نصف دقيقة. فجأة.. انقلبت الدنيا رأسًا على عقب أمام أية.. سائق شركة كريم فتح الباب الأيسر الخلفي للسيارة وجلس بجوارها.. حاولت الفتاة فتح الباب والخروج من السيارة.. لكن السائق منعها من ذلك.. أمسكها من ذراعها بقوة.. وباليد الأخرى فتح في وجهها مطواة.. حاول السائق الاعتداء والتحرش بها تحت تهديد السلاح.. لكنها قاومته رافضة الإستسلام للخوف من الموت.. أمسكها مرة أخرى من ذراعها بقوه.. حاولت الإفلات من قبضته القوية بكل ما أوتيت من قوة.. قاومت بأيديها وأرجلها.. لدرجة أن حذائها قد خلع من قدمها وهي تقاومه.. السائق المجرم ضربها بالمطواه في بطن قدميها لينفجر منها الدم دون أن تشعر بالألم.. تخيلت أية أن هذه الدماء المنتشرة داخل السيارة هي دماء السائق.. فربما جرح نفسه من مقاومتها.. هكذا تخيلت لتستمر في مقاومته بكل قوتها.. أقل من دقيقتين كانوا بالنسبة لأية هم الدهر كله.. الثواني كالساعات ثقيلة.. تتمنى فقط الخروج بأمان من بين يد هذا المجرم.. صرخت في وجه السائق بعد أن ألهمها الله فكرة كانت السبب في الخروج من هذه المصيبة بسلام.. قالت به وهي تقاومه: "كفاية بقا علشان أنت اللي هتروح في داهية.. أنا أخويا ضابط لو أذتني مش هيسيبك وهيجيبك.. سيبني أنزل وأنا مش هقول له". وكأنه السحر.. الذئب البشري هدأ.. ومحاولاته في الاعتداء عليها توقفت.. لكنه ظل شاهرًا المطواة في وجهها.. وبعد فترة صمت للحظات طلب منها خلع خواتمها الذهبية.. وأخذ منها هاتفها المحمول وأموالها.. ثم لملمت المسكينة شتاتها.. ونزلت من السيارة لتصرخ من شدة الألم بمجرد لمس قدمها المجروحة الأرض.. انفجرت في البكاء.. غير مصدقة أنها نجت من براثن هذا المجرم.. صرخت بحرقة وهي تراقب السيارة وهي تبتعد عنها.. نظرت حولها لتجد صراخاتها تضيع وسط الفضاء الواسع.. حاولت الاستنجاد بالمارة.. لكن السيارت رفضت الوقوف لها.. ربما خاف قائدوها من أن يقفوا فيقعوا في المشاكل.. لكن في النهاية وجدت أية من ينجدها.. أخذها بسيارته وقام بتوصيلها إلى المستشفى وتركها وانصرف.. ربما خاف هو الأخر من الوقوع في المشاكل.. لكنه على الأقل توقف لينقذ الفتاة. اتصلت أية بوالدها وبشقيقها.. أخبرتهما بما حدث ليلحقا بها في المستشفى.. وبعد أن قامت بتهير الجرح وربطة قامت بالذهاب إلى قسم أول مدينة نصر.. وهناك كان بداية لفصل أخر من العذاب. شقيق أية فتح حساب "أبليكيشن" شركة كريم الخاص بشقيقته من على هاتفه المحمول بعد أن عرف منها كلمة السر.. نجح الأخ في الحصول على بيانات السائق وسيارته وتفاصيل الرحلة منذ البداية حتى موقع الحادث.. ثم قام بتقديم شكوى للشركة عن طريق الأبليكيشن وحكى في الشكوى ما حدث مع شقيقته بالتفصيل.. وقامت أية التي كانت في حالة يرثى لها بتحرير محضر داخل وحدة مباحث القسم بمعرفة معاون المباحث.. وحمل المحضر رقم 23433 جنح لعام 2018.. لتكتشف أية بعد ذلك أن هذا المحضر قد يتسبب في ضياع حقها.. فالضابط كتب في المحضر أن السيارة تابعة لشركة أوبر بالرغم من أنها أخبرته أن المجرم كان تابعًا لشركة كريم.. كما أن نقيب المباحث تغافل ذكر أن السائق حاول الإعتداء عليها جنسيًا تحت تهديد السلاح.. وتغافل أيضًا في المحضر كتابة أنه قام بسرقتها بالإكراه تحت تهديد المطواة.. واكتفى بالقول على غير الحقيقة أن السائق افتعل معها مشكلة لسرقتها.. حتى الإصابة التي أحدثها المجرم بسلاحه في قدمها لم يذكرها الضابط.. وبالتالي لم يحولها إلى المستشفى لاصدار تقرير طبي قانوني يثبت ما بها من إصابات.. وأرفقت أية تقرير المستشفى التي عالجتها بالمحضر. محضر كهذا كفيل بأن يضيع بسببه حق أية.. ويحمي مجرم من العقاب الرادع المنصوص عليه في القانون.. الحقيقة أنها تعرضت لجناية شروع في اغتصاب.. وجناية سرقة بالاكراه.. وجناية شروع في القتل.. والمحضر الذي تم تحريره يحصر الأمر في جنحة سرقة.. وكأن الضابط أراد إكمال مسلسل الظلم الذي تعرضت له المسكينة حتى لايورط وحدة مباحث القسم في العمل بقضية ثقيلة مثل هذه.. تمثل شوكة في ظهورهم حتى يتم القبض على المتهم.. وبالتالي الهروب من ضرورة إخطار القيادات في وزارة الداخلية وإدارة الأمن العام ومديرية أمن القاهرة حتى لا يتابعوا تفاصيل القضية ويضغطوا على وحدة المباحث بضرورة العمل للقبض على المجرم. أكتشفت أسرة أية كل هذه الأمور في نيابة مدينة نصر.. وفي التحقيق معها أخبرت وكيل النيابة بأن محضر الشرطة لايذكر الحقيقة.. وعندما استفسر وكيل النيابة عن قبولها التوقيع على المحضر بما به من أخطاء.. قالت أيه أنها كانت في حالة صدمة كبيرة.. ووقعت في المكان الذي أشاروا لها عليه دون شك في أنهم قاموا بتغيير الأقوال.. ثم قالت أية في تحقيق النيابة التفاصيل الحقيقية لما تعرضت له على يد هذا المجرم. شهر كامل بعد الواقعة انتظرته أسرة أية للقبض على المتهم.. علموا من النيابة أنهم لم يتمكنوا من الوصول للمقر الإداري لشركة كريم لمخاطبتهم لمعرفة البيانات الشخصية للمتهم.. والمفاجأة الكبيرة التي ظهرت أنه عندما خاطبت النيابة العامة مدير مصلحة السجل التجاري بوزارة الاستثمار لمعرفة عنوان شركة كريم لمخاطبتها رسميًا.. رد بأنه بالبحث عن طريق الموظف المختص بالهيئة العامة للاستثمار تبين أنه لا يوجد سجل تجاري لشركة لها إسم كريم. هنا اضطرت أية بالبحث بنفسها عن مقر الشركة.. واستطاعت الوصول إلى عنوانها بالقرية الذكية بأبورواش.. وقامت النيابة بمخاطبة الشركة التي تبين فيما بعد أنها مسجلة بالكمبيوتر تحت اسم (كاريم) وليس (كريم).. واستطاعت الوصول إلى بيانات المجرم لاخراج أمر ضبط واحضار بشأنه. الأن أية تعيش أصعب أيام حياتها وقد فقدت الثقة في أن حقها ممكن أن تحصل عليه بالقانون.. حضرت إلى أخبار الحوادث حتى تصل كلماتها للواء محمود توفيق وزير الداخلية.. فهي على ثقة أن وزارة الداخلية لن ترضى بالظلم الذي تعرضت له.. خصوصًا وأنها قامت بنشر بوست على أقوى صفحات الشكاوى على الفيس بوك.. لكن كان عمره فقط ساعتين وتم حذفه وحذف حساب أية من على الصفحة نهائيًا.