مصر لديها فرصة كبيرة ليس لي معرفة شخصية بالرئيس لكنى متابع دقيق لكل هناته، راصد لملامح وجهه قبل كلماته لست من هواة دق طبول النفاق، لكنى أملك رادارا خاصا يكشف الزيف والتصنع بعد ساعات يؤدي الرئيس السيسي اليمين الدستورية في مستهل ولاية ثانية لحكم بلاد، أفلتت لتوها من نوبة تحلل أصابت منطقتنا، أشبه بزلزال صناعى، تم الإعداد له خلف أعالي البحار في مراكز بحث، وعقول تتصارع لإمتلاك كل أسباب التفوق و«الحكم عن بعد» لمناطق العالم المختلفة. مازالت أصداء صياح رئيس النكبة الذى صعد إلى سدة الحكم في مصر، بفعل تجارب وألعاب " القوة الذكية "،وهى حسب موجة التفكير الجديدة في الغرب هى نتاج مزج القوة الخشنة والقوة الناعمة، كان محمد مرسى يؤدى قسم الرئيس كل صباح أيام رئاسته الأولى،وأظنه قد أدى اليمين الدستورية أمام المرآه في حمام منزله،أكثر من مرة. لم يكن صوته في ميدان التحرير وهو يجعر بالحلف سوى بوق لإعلان نصر التجربة الأمريكية في استخدام نتاج قوتها الذكية الجديدة،التى عكف عليها علماء وباحثون لسنوات حتى تبلورت التجربة. عاشت مصر شهورا من الترنح أمام ضربات جديدة لم يألفها العالم خرجت لتوها من مخازن سلاح الفكر الغربى، الذى حار بعد عجز قوته الخشنة في حسم معارك النفوذ في بقاع مختلفة من العالم،وحتى قوته الناعمة لم يعد لها ذات التأثير من الإستحواذ على العقل وطريقة التفكير،وكانت لجنة القوة الذكية برئاسة ريتشارد أرميتاج،تدلل على ذلك بالزعيم الكورى الشمالى السابق الذى كان مغرما بسينما هوليوود،لكنه في ذات الوقت مهووسا بالعداء للغرب. لا أعرف إذا ما كانت لدينا لجنة مثل تلك التى تبتكر أدوات لتلك القوة التى تسحر العدو والصديق لتمكنك من الهيمنة عليه لعقود مقبلة، لكن كان هناك شعبا أفاق سريعا بعد مخدرات الحرية وخيالات النهضة الإقتصادية التى صوروها وكأنها تدق باب كل مواطن بسيط. السيسى كان مخلصا في أيام حكم الإخوان لوطنه وفقط، وربما كان واعيا بما يدور، ليس على حدود بلادنا من ألعاب وتجارب القوة الذكية، لكن بقفزتها إلى قلب الوطن، وسارت مع الدم عبر الشرايين إلى شتى أرجاء مصر، من محمد محمود في قلب العاصمة إلى الإسكندرية ومطروح وأسوان،وطبعا فى سيناء. لم أكن متوقعا من وزير الدفاع وقتها بكل حسابات المصلحة الشخصية أن ينحاز إلى الشعب في غضبته على الإخوان،فإذا كان يبحث عن النفوذ،فلديه كل أدواته،وسيحج إلي مكتبه كل صباح ،قوافل من كافة أطراف القوى السياسية،الإخوان سيخطبون وده وقد فعلوا،والتيارات المدنية ستدفع به إلى مقدمة الصفوف. بإختصار كان السيسى قادرا على أن يحكم مصر من مكتبه كوزير للدفاع،دون أن يسأله أحد عن جدوى سياساته، فقط لو كان الرجل لا يملك ضميرا ربما يسبب له الضغط النفسى دوما. قبل ترشح الرئيس لمنصب الرئاسة،كنا في إحدى ليالى بلادنا التائهه،عدد من الزملاء - بعضهم كان قريبا من السيسى- يشيد بالرجل وأنه سيقدم على طرح نفسه على الشعب، وأنا أتساءل بمنطق انتهازية السياسة،لماذا يضع نفسه في الواجهه وهو يستطيع أن يحكم بالريموت كنترول،فهو الذى قام بتحديث الجيش وقتها قال لى مسئول عسكرى أن وزارة الدفاع نجحت في تحديث تسليح عدد كبير من " الفرق " إضافه إلى الإهتمام الكبير بالتدريب،أى أنه بات يملك القوة الحاسمة. لماذ قرر السيسى المخاطرة بحياته وحريته الشخصية والعائلية حتى في السير في شوارع القاهرة،ويقرر تقدم صفوف الشعب لسحق عصابات تاجرت بالدين وتكسبت من اسم الله، وتمتلك من الكذب والتدني ما يجعل مواجهتها فريضة وطنية ودينية،يومها تخيلت شخصيات سياسة بارزة لو كانت في موقع السيسى،تحكم وتملك دون أى حساب أو رقابة سياسية،فهل كان سيتقدم لطرح نفسه على الشعب؟ كان إجماع الأراء وقتها أن السيسى لو" بتاع" سياسة لفكر طويلا على المستوى الشخصى والعائلى وحتى على مستوى النفوذ،لكن الرجل فعلها وإختار ربما التنازل عن حرية شخصية من أجل حرية أجيال قادمة،إختار المواجهة الحاسمة ليسير المواطن البسيط في شوارع بلد آمن، بينما هو تفرض عليه ذات الإجراءات الأمنية قيودا،فربما لم يعد الرئيس حتى قادرا على العودة إلى الحى الشعبى الذى نشأ فيه، لإستعادة ذكريات الصبا والشباب. اليوم يقف الرئيس ليعيد قسما كان مخلصا له قبل أربع سنوات،وبارا بكل كلماته،شريفا في كل خطواته، مترفعا عن الطعن والغدر ،ولكن مالم يقسم به الرئيس هو الحفاظ على كرامة الوطن وكبرياء الشعب بين الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء. كرامة بلادنا تبدأ وتنتهي من الإعتماد على الذات، واستغلال كل مواطن القوة وتعظيمها، وكشف الغطاء عن أسباب الضعف ووهن الوطن. الرئيس كان مخلصا لقسم لم يحلفه، ويمين لم يؤده وهو صون كرامة الأمة الأعرق في التاريخ، ولم تشاغله نفسه بهوى زعامة زائفة وهى الطريق السهل الذى غالبا ما يؤدى بالوطن إلى الهاوية،السيسى لم يسع يوما إلى جماهير تحتشد على ضفاف طريق يسير فيه موكبه،يلقى إليها بأفيون يغيبها عن الواقع،وسراب يجذبها كما النداهة في الأساطير الشعبية. ولأنه مخلصا في كل مرات ظهوره قبل 30 يونيو وبعدها، فتمسك بالواقع، واجه بصدق نفسه وشعب إختاره وتغنى له، وبشجاعة لم يسبقه إليه رئيس إلا محاولة خجولة من الرئيس السادات قرر أن يجرى جراحة عاجلة للإقتصاد المريض والمثخن بالجراح. لم يقبل رئيس إستمرار الإستجداء من شقيق أو صديق، ولكنه أصر على الحفاظ على كرامة مصر وهو يضع البلاد على أول طريق الخلاص من الفقر والجهل والمرض بعيدا عن الخطب الحماسية، أو ابتزاز مشاعر كانت ستهتف بحياته ليل نهار. * * * * بالتأكيد الرئيس ليس نبيا،كما أن الشعب ليس جموعا من اللاهثين خلف إشباع نزوات،لدينا رئيس مخلص، يصر على إكمال المرحلة الثانية من بناء وطن كادت أن تتمزق أوصاله، ولدينا شعب لديه من القدرات التى تضعه في مقدمة الأمم،فكيف المسير؟ المتابع لكل أفلام الخيال العلمى سيجد أن كثيرا منها تحققت على أرض الواقع ،والقارئ لتاريخ العلم يعرف أن عقل اسحاق نيوتين،أعمل الخيال والفكر وهو يرقب سقوط تفاحته الشهيرة،فملايين من البشر قبله شاهد التفاحة تسقط، لكنه فقط أعمل العقل. نحتاج أن نبحث عن حلم يراه الشعب في يقظته ،ونبدأ في تنفيذه وتحقيقه على أرض بلادنا العظيمة، فهى دولة لا تنقصها الإرادة، لكنها تفتقر إلى تطهير الصفوف الأولى المساعدة من فاقدى القدرة على الإبداع ،تحتاج إلى جيل جديد يمتزج بإصرار القيادة على إنجاز الحلم. لدينا كثير من الإمكانات ولدينا قليل من القدرة على استغلالها، لسنا في حاجة إلى صناعة عقول متشابهة التفكير، بل نحتاج عقول متباينة في الإبداع حتى تمتزج قدراتها وتنتج الجديد،ولبناء وطن قوي قادر،فطريقنا واضح رئيس شجاع، ناكرا لذاته، لا تسحره هتافات الروح والدم من الحناجر العطشى والبطون الجائعة، وفريق عمل قوي مبدع من شبابنا. فلماذا لا نطلق مثلا فصائل من جيش الطلبة،فالملايين في الجامعات يقضون سنوات يتلقون ما يشبه العلم، ونهدر طاقاتهم الهائلة، لو كنت مساعدا للرئيس لشئون التعليم العالى مثلا، لأسست فرقا من طلاب الجامعات يتولى فيه فصائل كليات الطب مسح النطاق الجغرافى للجامعة من الأمراض وتخطيط مواجهتها،ولو كنت مسئولا لكلفت طلاب وأساتذة كليات الزراعة فورا بتحويل قاعات الدرس النظرى المكيفة إلى خيام لتلقي العلم في مشروع المليون فدان، لو كنت مسئولا لكلفت طلاب كليات الهندسة بالعيش في المدن الجديدة،للدراسة العملية لعلوم الهندسة المدنية والعمارية وغيرها. لو كنت مسئولا لشكلت وفورا لجان متابعة للمشروعات الكبرى من طلاب ومدرسى الجامعات،يتولى فيه مثلا طلاب واساتذه المحاسبة وإدارة الأعمال،المتابعة والرقابة، ساعتها فقط سنخلق جيلا يكون عين الشعب ويده العاملة مصر تحتاح إلى من يصنع قوتها الذكية، التى هى فى الأساس نتاج فكر يحقق الإستفادة المثلى من مزج قوتنا الخشنة والناعمة. واثق أن مصر تستطيع.. واكثر ايمانا بأن لدى الرئيس من الشجاعة على السير فى الطريق الصعب المرهق،لكنه المضمون النتائج.